‫‫‫‏‫5 ساعات مضت‬

دير مار إلياس شويه البطريركي… معلم روحي وتاريخي شامخ في قلب لبنان

شويه، لبنان ─ يُعد دير مار إلياس شويه البطريركي، أحد أقدم وأهم المعالم الروحية والتاريخية في جبل لبنان، حيث يختزن بين جدرانه قرونًا من الإيمان، الصمود، والمعجزات. يرتفع هذا الدير فوق المنحدرات الصخرية في بلدة شويه، كمنارة روحية شامخة تعكس عمق التراث المسيحي الأرثوذكسي في المنطقة. 

رانيا زهرا شربل مذيعة فضائية سورويو في لبنان، زارت الدير والتقت مع الأرشمندريت أفثيميوس فقس، للتعرف على الدير وتاريخه عن كثب. 

 جذور تاريخية تعود لقرون 

تشير الروايات التاريخية، إلى أن بناء الدير يعود إلى الفترة الممتدة بين القرنين الرابع والسادس الميلادي، حين أسسه ثلاثة رهبان اختاروا المكان للتنسك والصلاة، وقد بُنيت كنيسة الدير القديمة في قلب الصخور، بطريقة هندسية فريدة لا تشبه بقية الكنائس الأرثوذكسية في لبنان، أما حجارة الدير، فقد استُخرجت من الجبل المجاور، ما جعله يبدو وكأنه امتداد طبيعي للتضاريس المحيطة. 

وتختلف المصادر حول تاريخ إعادة بناء الدير، فبينما يُرجع بعض المؤرخين ترميمه إلى عام 1211 ميلادي، يذهب آخرون للاعتقاد بأن مرحلة الترميم الأهم، جرت في عام 1716، فيما يعود المدخل الحالي للدير إلى القرن العاشر، ويُعتقد أن الرهبان الروس، كانوا وراء تشييده.


 


الكنيسة الحالية وأسرارها المعمارية 

الكنيسة الأساسية في الدير شُيدت عام 1760 فوق كنيسة قديمة تهدمت بفعل زلزال، وقد جرى ترميمها مجددًا عام 2012، وتتميز الكنيسة بعقودها الأربعة، وبجرار فخارية مدمجة في سقفها لتحسين توزيع الصوت، مما يمنحها طابعًا معماريًا وصوتيًا فريدًا. 

في زوايا الكنيسة، توجد غرف يُعتقد أنها كانت مخصصة لصلاة الرهبان أو لتنسكهم، ما يعكس الطابع الروحي العميق للمكان. 

 الأيقونسطاس الفريد: حكاية حفر وتاريخ 

أحد أبرز معالم الكنيسة، هو “الأيقونسطاس” (حامل الأيقونات)، المحفور يدويًا على خشب الجوز من قِبل عائلة يونانية لاجئة، استغرق إنجازُه قرابة عشر سنوات، ويتميز هذا العمل الفني بوجود أيقونات مزدوجة: الأيقونة الكبرى، وتحتها مشهد محفور يصور أحداثًا من حياة القديس. 

على سبيل المثال، تظهر في أيقونة مار إلياس صورة له يتلقى الطعام من ملاك، وتحتها نُقش مشهد قطعه لرؤوس كهنة بعل، كما تحوي الأيقونات صورًا من العهد القديم، وتفاصيل دقيقة تعكس مهارة نادرة في الحفر والتصميم. 



 المخطوطات والكنوز الأثرية 

يحتفظ الدير بسجل تاريخي غني، أقدم وثائقه تعود للعام 1004، وتتنوع ما بين عقود شراء وبيع، ومخطوطات ليتورجية، وتُحفظ هذه الوثائق حاليًا في مركز القديس يوسف البطريركي لترميم المخطوطات، الواقع في دير سيدة البلمند. 

 جثمان المطران مكاريوس صدقه غير المتحلل 

من بين أبرز الأسرار الروحية في الدير، وجود جثمان المطران مكاريوس صدقة غير المتحلل حتى اليوم، المطران، الذي وُلد في المحيدثة وترعرع في الدير، أوصى بأن يُدفن فيه بعد وفاته. وبعد نقل جثمانه من بيروت إلى شويه سيرًا على الأقدام، تبين بعد سنوات أن جسده لا يزال سليمًا، ما دفع المؤمنين إلى اعتباره قديسًا محتملًا، وتُروى شهادات عن شفاعاته، منها شفاء امرأة من سرطان في الرأس، بعد أن صلت في الدير. 



 الدير في عهد الرهبان الروس 

في بداية القرن العشرين، أقام في الدير رهبان روس جاؤوا برفقة بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، غريغوريوس حداد، (1906 – 1928)، بعد زيارته إلى روسيا عام 1900، وأدخلوا تعديلات عمرانية على الدير، منها المدخل المؤلف من أربعة طوابق، والذي كان أول مبنى من نوعه في المنطقة، وضم اسطبلات وغرفًا للضيوف ومكاتب. 



الأيقونات المعجزة 

من المعجزات المرتبطة بالدير، قصة أيقونة مار إلياس العجائبية، التي حاول العثمانيون حرقها وتكسيرها عدة مرات دون جدوى، ثم سُرقت وبيعت في مزاد علني، واشترتها امرأة تقيّة، كانت ترى مار إلياس في أحلامها، يطالبها بإعادتها إلى ديره في لبنان، ففعلت، واليوم، ما زال المؤمنون يتبركون بهذه الأيقونة، ويؤكد العديدون أنها تصنع العجائب. 

 إرث حيّ ومستقبل روحي 

دير مار إلياس شويه لا يزال حتى اليوم، مقرًا صيفيًا لبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ويترأسه حاليًا المطران قسطنطين كيال، الذي عمل على ترميمه مؤخرًا. 

الدير يواصل أداء رسالته الروحية، كمنارة للإيمان، ومقصد للحجاج، ومكان يُشهد فيه على معجزات الإيمان وثبات الكنيسة في وجه المحن.


يمكنكم مشاهدة الحلقة الكاملة عن دير مار إلياس شويه البطريركي أدناه.

‫شاهد أيضًا‬

قننشري: عُش النسر حيث التقت العوالم وعلت المعرفة

حولوب (حلب)، سوريا — تخيل مكانًا هادئًا على ضفاف نهر الفرات من قرون مضت _ دير يُدعى قننشري…