‫‫‫‏‫8 ساعات مضت‬

الاشتباكات الطائفية والغارات الجوية تدفع جنوب سوريا إلى حافة الانهيار

السويداء — استمرت أعمال العنف الطائفية في الاشتعال عبر محافظة السويداء جنوب سوريا يوم السبت، متحدّية وقف إطلاق النار الهش الذي تم التوصل إليه بوساطة الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد من القوى الإقليمية. وقد دفعت الاشتباكات الدامية بين فصائل درزية ومقاتلين من القبائل البدوية البلاد إلى واحدة من أكثر موجات التصعيد دموية منذ سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي 

السويداء، وهي محافظة تقطنها أغلبية درزية وكانت تُعرف بهدوئها، والواقعة على حدود الأردن وإسرائيل، أصبحت الآن بؤرة صراع متصاعد أودى بحياة المئات خلال أقل من أسبوع. دوت أصوات الرشاشات وقذائف الهاون في مدينة السويداء والقرى المحيطة، فيما حاولت القوات الحكومية إعادة فرض سيطرتها وسط انعدام الثقة المتزايد من جانب المجتمعات المحلية وتدخل القوى الأجنبية. 

بعد اندلاع القتال العنيف في 13 يوليو، تم التوصل إلى وقف إطلاق نار منتصف الأسبوع بواسطة المبعوث الأميركي توم باراك، بدعم من تركيا والأردن وإسرائيل. ووفقاً للاتفاق، كان من المفترض أن تنسحب جزئياً القوات الحكومية وتُسلَّم مهام الأمن إلى لجان محلية درزية. 

لكن بحلول السبت، استؤنف إطلاق النار، وأفاد شهود بوقوع قصف في عدد من المناطق، بما فيها قريتا الكفر وقنوات. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن حصيلة القتلى بلغت على الأقل 940 شخصاً، بينهم مدنيون ومقاتلون وكوادر طبية. ولم تتمكن وكالة رويترز من التحقق من هذا الرقم بشكل مستقل. 

وقالت وزارة الداخلية السورية مساء السبت إن مدينة السويداء أصبحت “خالية” من المقاتلين البدو، وإن السلام قد عاد بعد نشر وحدات جديدة من قوات الأمن الداخلي. لكن تقارير ميدانية أشارت إلى تدفق الآلاف من المقاتلين البدو من البادية الشرقية نحو المحافظة، ما أجج المخاوف من تصعيد جديد.


 تنفيذاً لبنود الاتفاق، بدأت قوات الأمن الداخلي انتشارها في قرية المزرعة بريف السويداء الغربي#الجمهورية_العربية_السورية #وزارة_الداخلية pic.twitter.com/KfcrQRDUvs


قال أطباء محليون إن المستشفى الرئيسي في السويداء غصّ بالضحايا. وصرّح الدكتور عمر عبيد، مدير المستشفى، لـ”سيرياك برس”: “كل الإصابات ناجمة عن القصف – جروح في الصدر، وأطراف ممزقة بالشظايا”. أما ياسر شنان، وهو شاب يبلغ من العمر 28 عاماً، فقال: “لا كهرباء، لا وقود، لا طعام، لا ماء، لا شيء على الإطلاق… نحن محاصرون ولا يوجد طريق آمن للخروج”. 

صراع محلي يتحول إلى أزمة جيوسياسية 

ما بدأ كصدام محلي بين وحدات الدفاع الدرزية وقبائل بدوية، تحول بسرعة إلى بؤرة نزاع إقليمي أوسع يهدد مستقبل سوريا. وقد شنت إسرائيل هذا الأسبوع غارات جوية على مواقع حكومية في دمشق وجنوب البلاد، بما في ذلك ضربة استهدفت وزارة الدفاع قرب القصر الرئاسي، معللة ذلك بحماية أبناء الطائفة الدرزية. 

ورغم تأكيد إسرائيل أن ضرباتها دفاعية، اتهم الرئيس السوري أحمد الشرع إسرائيل بتأجيج التوترات الطائفية. وقال في خطاب متلفز: “التدخل الإسرائيلي دفع البلاد إلى مرحلة خطيرة تهدد وحدتها الوطنية”، محذّراً من تحويل سوريا إلى “حقل تجارب للتقسيم والتحريض الطائفي”. 

أما الولايات المتحدة، التي تدعم الحكومة السورية الإسلامية بقيادة الشرع، فقد اتخذت موقفاً حذراً، مرحبة بوقف إطلاق النار لكنها نأت بنفسها عن الضربات الإسرائيلية. وقال مسؤولون أميركيون: “ندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتوفير وصول فوري للمساعدات الإنسانية”. 

وعلى النقيض، كانت إسرائيل صريحة في انتقادها للحكومة السورية الجديدة. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: “في سوريا الشرع، من الخطر أن تكون من أقلية – كردي، درزي، علوي، أو مسيحي”.



وقد أثارت الاشتباكات أيضاً موجة من الغضب بين ناشطين سوريين ومواطنين عاديين يطالبون بحل سلمي. ففي 17 يوليو، نُظّمت وقفة احتجاجية صامتة أمام مجلس الشعب في دمشق، ضمن حملة بعنوان “اليوم وكل يوم: الدم السوري ليس رخيصاً”، لكنها تعرضت لهجوم عنيف من أنصار موالين للحكومة يُعتقد أنهم من القبائل. 

وقالت الصحفية زينة شهلا، التي شاركت في الوقفة، إنها تعرضت للضرب والإهانة. وكتبت في منشور علني: “ضربني أحدهم بعصا، ثم صفعني على وجهي… نعتونا بالخونة والعملاء”. رغم ذلك، أكد المنظمون أنهم سيواصلون حراكهم السلمي. 

الأزمة الإنسانية تتفاقم 

تتدهور الأوضاع الإنسانية بسرعة في السويداء. فقد ناشدت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والصليب الأحمر السماح بإدخال المساعدات الإنسانية، لكن القوافل لا تزال عالقة. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة: “بدون وصول فوري، قد تواجه السويداء أزمة إنسانية كاملة خلال أيام”. 

اقرأ أيضا: توترات طائفية، ضربات جوية أجنبية، وأزمة إنسانية: كيف انهار وقف إطلاق النار في السويداء 

أمة على حافة الانهيار 

يواجه الرئيس المؤقت أحمد الشرع، الذي كان يُنظر إليه سابقاً كواجهة لانفتاح سوريا على العالم، أكبر تحدٍّ داخلي له حتى الآن. وبينما تتصارع القوى الخارجية على النفوذ وتتعمق الانقسامات الطائفية، تتلاشى آمال بناء سوريا موحدة بعد الصراع. 

المبعوث الأميركي توم باراك لا يزال متفائلاً، إذ قال في منشور على منصة “إكس”: “ندعو الدروز والبدو والسنة – وجميع الأقليات الأخرى – لبناء هوية سورية جديدة وموحدة”. 

لكن على أرض الواقع، نادراً ما يوجد ما يدعو للأمل. فبالنسبة للكثيرين من المدنيين العالقين وسط النيران، لم تعد القضية “من يحكم سوريا؟”، بل “هل سيبقى هناك من يحميها؟”. 



 

‫شاهد أيضًا‬

جميل بايك.. على تركيا أن تُجري إصلاحات قانونية وسياسية بحق الكرد وإلا سنستأنف القتال

قنديل — في مقابلة أجراها مع قناة “ستيرك” التلفزيونية، صرّح القيادي البارز في ح…