‫‫‫‏‫14 ساعة مضت‬

القضية الكردية والشعب السرياني

بقلم: أوكيل توركر — رئيس اتحاد الجمعيات السريانية في تركيا (SÜDEF)


فشل مسار السلام في تركيا خلال الفترة بين عامي 2013 و2015، وهو فشل لم تمر نتائجه مرور الكرام، بل فتحت أبواباً لعقد من العنف والاعتقالات والدماء. جميع مكونات المجتمع دفعت الثمن، لكن الأكراد كانوا الأكثر تضرراً. 

مؤخراً، وخلال مراسم نزع السلاح التي نظمها حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، تلقى اتحاد الأندية السريانية في تركيا دعوة رسمية للحضور، وقد تشرفتُ بالمشاركة فيه كممثل عن الشعب السرياني، إلى جانب النائب السرياني في البرلمان التركي عن الحزب نفسه، جورج أصلان. 

السريان، كأحد أقدم شعوب الشرق الأوسط، عاشوا جنباً إلى جنب مع الأكراد في العراق وسوريا وتركيا وإيران، لذا فإن حضورهم في مثل هذا الحدث المفصلي له رمزية كبيرة. فالقضية الكردية، في جوهرها، ليست شأناً كردياً فحسب، بل قضية تمس جميع الشعوب المتجذرة في هذه الجغرافيا، وعلى رأسها السريان. 

ما دام هناك نزاع وقضية كردية قائمة، فإن الشعب السرياني – بوصفه أقلية معرضة للخطر – سيبقى عرضة لتبعات النزاع. فالهجرة القسرية من أراضينا التاريخية بفعل الحروب والنزاعات ليست مجرد ذكرى من الماضي، بل واقع مستمر. لذلك، كان من الضروري أن نكون حاضرين في مراسم نزع السلاح، لنشهد لحظة قد تشكل منعطفاً في تاريخ المنطقة. لقد حظي الحدث بتغطية إعلامية واسعة، خاصةً لحظة نزول 30 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني من الجبل وإعلانهم التخلي عن السلاح، حيث وضعوا بنادقهم في مرجل وأشعلوا فيها النار. كانت لحظة رمزية بامتياز، تمنينا جميعاً أن تكون بداية حقيقية للسلام وإنهاء النزاع الدموي. 


رئيس اتحاد الدفاع الشعبي التركي أوجيل توركر في حفل نزع السلاح.

لكن السلام لا يُبنى بالرمزية وحدها. فالعملية أعقد من مجرد إحراق السلاح. لا بد من مسار قانوني وقضائي جاد، تشرف عليه لجنة السلام والمجتمع الديمقراطي في البرلمان التركي. دون ذلك، ستفقد المبادرة قيمتها، وسنجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة. 

نحن السريان نطمح إلى سلام حقيقي، يضمن الديمقراطية، ويعالج مظالم الماضي، من مجازر وإقصاء وحرمان. منذ عام 1915، والسريان يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثالثة، وكان ذلك أحد أبرز أسباب الهجرة، إلى جانب قوانين مجحفة مثل “ضريبة الثروة” في أربعينيات القرن الماضي. 

إننا نطمح إلى دولة تعترف بالتعددية، وتحترم سيادة القانون، وتكفل لجميع المكونات الحق في ممارسة دياناتها، والحفاظ على هويتها الثقافية واللغوية، ضمن بيئة تضمن الكرامة والازدهار. فهذه المطالب لا تخصّ السريان وحدهم، بل هي مطالب مشروعة يشترك فيها الأكراد أيضًا. 

 بما أننا نتشارك نفس الجغرافيا، فإننا نتأثر بالقضية الكردية. نرى أن هذه القضية تُعالج الآن على أعلى مستوى، وأن الدولة التركية نفسها تلعب دورًا في حلها. عملية السلام ليست شيئًا بدأ فقط بدعوة دولت بهجلي، رئيس حزب الحركة القومية. هذه عملية وافقت عليها الدولة التركية نفسها.   

وبما أن الدولة التركية نفسها تولت القضية والتزمت بحلها، وجلست مع السيد عبد الله أوجلان لمناقشتها والتخطيط لها، فيجب عليها أيضًا أن تفي بمتطلباتها. وحل هذه القضية سيفيد الجميع في تركيا من الناحية القانونية والثقافية واحترام الهويات المتنوعة من اكراد وسريان وغيرهم…. وبالتالي ستتطور دولتنا، واقتصادها سيزدهر، وستصبح نموذجاً يحتذى به في الشرق الأوسط.   

تعاني تركيا من قضايا اجتماعية وقانونية وسياسية منذ أكثر من قرن. يأتي وقت لا يمكن فيه بعد الآن التغاضي عن هذه القضايا. إلى متى يمكن لجمهورية تركيا أن تستمر في إنكار هذه المشاكل، والتظاهر بأنها غير موجودة؟ لهذا السبب يجب أن تترجم الخطابات لخطوات عملية. 

وفي أعقاب مراسم نزع السلاح، خرج الرئيس رجب طيب أردوغان في 12 يوليو بتصريح أكد فيه تشكيل لجنة برلمانية جديدة تحت شعار “تركيا بلا إرهاب”، مشيراً إلى خطوات قانونية وقضائية مقبلة. ورغم استخدامه خطاباً دينياً – أممياً – إلا أن حل هذه القضية لا يمكن أن يأتي من منطلق إسلاموي. في المقابل، كانت عبارته “لا مزيد من القبضات المشدودة، بل سنفتح أذرعنا لبعضنا البعض” إشارة إيجابية لا يمكن إغفالها.  

ما زال التطرف القومي والعنصرية تحديات حقيقية في تركيا. ومن المؤسف أن الدولة هي من أسهمت في تأجيج هذه التوجهات، من خلال سياساتها الإقصائية. نحن السريان شعب له تاريخ يمتد لـ7000 عام في هذه الأراضي، ومعنا الأرمن واليونانيون والأكراد، لسنا ضيوفاً في هذه البلاد. نحن أبناء هذه الأرض، وجزء أصيل من نسيجها.  

لذلك، وانطلاقاً من مسؤوليتنا التاريخية والإنسانية، نعلن – نحن السريان، أفراداً ومؤسسات – استعدادنا الكامل للانخراط في أي جهد أو مبادرة تفضي إلى سلام دائم وشامل.  


نُشرت هذه المقالة باللغة التركية على موقع صحيفة Gazete Sabro و يمكنكم قراءة النسخة الأصلية هنا. 

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب فقط، ولا تعكس بالضرورة مواقف موقع SyriacPress. 

‫شاهد أيضًا‬

حزب المساواة وديمقراطية الشعوب يردّ بشدّة على دعوات حله في تركيا

أنقرة — أصدر حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) تصريحاً رسمياً رد فيه على الاتهامات التي…