مسيحيو جديدة عرطوز بدارمسوق في خطر متزايد تحت النظام السياسي الجديد
دارمسوق (سيرياك برس) — على الطرف الغربي من دارمسوق (دمشق)، تقع بلدة جديدة عرطوز، التي كانت تاريخيًا واحة هادئة للسريان الأرثوذكس والدروز. تصطف في أزقتها الضيقة كنائس للروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك بجانب مقامات درزية ومساجد، في نسيج اجتماعي متنوع، ظل ثابتًا لسنوات. في شباط 2024، نظمت بطريركية الروم الأرثوذكس ورشة عن القيم العائلية في كنيسة القديس جورج بجديدة عرطوز، بحضور عشرات العائلات المسيحية المحلية — مما كان دليلًا واضحًا على الحياة المسيحية النشطة في البلدة. لكن اليوم، بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقيام حكومة إسلامية، يتحدث السكان عن خوف ونقص وعدم يقين. وصف أحد السكان في أواخر 2024 الانقطاع اليومي للكهرباء قائلاً: “الكهرباء تعمل ساعة واحدة كل خمس ساعات — وانعدام الوقود، ومع ذلك نقول: نحن بخير… عائلتنا معًا. ننتظر ونرى“
تحت حكم الحكومة الجديدة
تأسست الحكومة المركزية الجديدة في أواخر 2024، بقيادة أحمد الشرع، (المعروف سابقا بأبو محمد الجولاني)، الزعيم السابق لهيئة تحرير الشام، الذي أطاح بالأسد وأسس حكومة إسلامية تسعى لفرض سلطتها على المشهد السوري المنقسم. يحذر محللون من أن أجندة هذه الحكومة تثير القلق بين الطوائف الدينية والإثنية المتنوعة. كما لاحظ عمّار عبد الحميد، أن وجود حكومة إسلامية شيّد “خوفًا وقلقًا لدى الأقليات“، بما في ذلك المسيحيون الذين “شهدوا تراجعًا كبيرًا“ خلال الحرب.
في جديدة عرطوز — ضاحية تاريخية للمسيحيين ثم الدروز — تحركت القيادة الروحية الدرزية لحماية أحيائها. أفادت مصادر بأن فصائل درزية سيطرت على مناطق مثل السويداء وجرمانا وصحنايا وجديدة عرطوز، لمنع انتشار قوات الحكومة الجديدة. ونتيجة لذلك، لا تتوفر للحكومة المركزية سلطة فعليّة على البلدة، بل تُدار الحياة اليومية من قبل المجالس المحلية للدروز والكنائس.
هذا التفكك في السيطرة يثير قلق المسيحيين. كثيرون كانوا يعتمدون على الدولة العلمانية أيام نظام الأسد، واليوم يرون هذا الحصن ينهار. حسب رويترز، زادت مخاوف الطوائف بعد سيطرة مسلّحين إسلاميين عام 2025، ووقوع مجازر كبيرة في المناطق الساحلية لعبورها كأساس لردع الجماعات العلوية، لكن الخطر الإجمالي تبلور في 22 حزيران، عندما تعرّضت كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في حي الدويلعة بدارمسوق (دمشق) لهجوم إرهابي، ارتقى على إثرِه 29 شهيداً. وعلى الرغم من عدم تبنّي أي جهة مسؤولية الهجوم، يبدو أنه مؤشر على تصاعد الإرهاب الطائفي. لاحظ معهد أتلانتك كاونسل، أن هذا الهجوم شكل أول عمل إرهابي كبير منذ سقوط الأسد، ما أثار تحذيرًا جديًا بأن ضواحي العاصمة لم تعد آمنة.
الضغوط على المسيحيين في جديدة عرطوز تشمل:
العنف المسلّح والتفجيرات: فصائل جهادية وتنظيمات إرهابية استهدفت مسيحيين ودروز وعلويين، وكان تفجير حزيران في دارمسوق، تصعيدًا مقلقًا.
الأمن المركزي الضعيف: القوات الحكومية متفككة وغير فعالة. بينما في البلدة، تعتمد مليشيات سنّية خارجية على قياداتها الخاصة، والداخلية غالبًا ما تُحمّل خلايا الدولة الإسلامية (داعش) مسؤولية الهجمات رغم الأدلة المتناقضة.
الأزمة الاقتصادية: مع التضخم الجامح، حتى الأعمال الطقسية أصبحت كلفتها عالية. تحدث رجل دين بارز من الأرثوذكس عن انقطاع الكهرباء والوقود، رغم الحاجة للتدفئة.
فقدان حقوق الملكية: في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، استولى التنظيم على ممتلكات وكنائس المسيحيين وفرض ضرائب. رغم أن جديدة عرطوز ليست إدلب، إلّا أن خطر نشوء حالات مماثلة يساور أهالي البلدة.
التوترات الطائفية: سنوات الحرب مزقت الثقة المجتمعية بين الطوائف. صراعات مثل اشتباكات البدو والدروز في السويداء (تموز 2025)، واعتداءات متكررة على كنائس البلدة، زعزعت الأواصر بشكل كبير.
الواقع الأمني والاجتماعي
في البلدة اليوم، تحوّل الأمن العام إلى مصدر قلق يومي. ينشئ مسلحون حواجز عشوائية، وتندلع اشتباكات صغيرة بين الفصائل. وتقلّ حركة الداخلين إلى قلب البلدة، الذي تمّت إزالة شعارات الأسد منه. الجهات الأمنية المحلية تحاول احتواء الوضع بصمت، بينما يقول أحد السكان: “ما في حدا حامل سلاح بشكل علني، لكن كلنا منعرف لمن نتصل إذا صار شي“
برغم ذلك، ما زالت الكنائس تقيم قداسًا أسبوعيًا — ولكن بأعين المراقبين تراقب كل تحرّك. وجيران مسلمون يتجنبون الإشكال العام. وفي أوائل 2024، حضرت عشرات العائلات ورشة للأرثوذكس في كنيسة القديس جورج، برعاية بطريرك الروم الأرثوذكس، يوحنا العاشر. لكن الحرية الدينية أخذت بالتضاؤل بعد سيطرة مجموعات الدولة على مدارس ودور دينية، بينما تكتفي لجان الكنائس المحلية بالتعامل بهدوء مع السلطات. وكما وصفّ مسن مسيحي: “نشعر أننا مراقبون — كأن قول كلمة خاطئة قد يجلب الحكومة الجديدة علينا“
حتى الطقوس الجنائزية اتسمت بالهدوء: زهور الجنازة ووجبات العزاء الجماعية، تحولت إلى فنجان قهوة بسيط بسبب ضغوط المعيشة.
دعت بطريركية الروم الأرثوذكس جميع السوريين لبناء دولة مدنية تتعايش فيها جميع المكونات. وفي بيان حزيران، ناشد البطريرك يوحنا العاشر بإنهاء الدماء “التي تستهدف تماسك جميع المجتمعات“. لكن سكان البلدة لا يشعرون بالطمأنينة. يقول أبّ مسيحي شاب قرب كنيسة القديس جورج: “فقدنا الإيمان بالوعود. يقولون ‘نحميكم’ — لكن الناس عند قراءتها الأخبار تتساءل: من سيحمينا؟“
اقرأ أبضا: المسيحيون في جديدة عرطوز يواجهون مخاوف متجددة تحت النظام السياسي الجديد في دارمسوق
الضغوط الاقتصادية وتهديدات الهجرة
المجاعة والفقر يلوحان كعدو جديد. مع انهيار الاقتصاد، يضطر كثير من المسيحيين إلى الاقتراض أو بيع الممتلكات أو الهجرة. في إدلب، سجّلت شكاوى تعرض أراضٍ لمسيحيين للنقل لملكية جديدة بقرارات رسمية، ما يثير القلق لدى أهالي جديدة عرطوز.
لم يُسنّ أي تشريع جديد لإرجاع حقوق الملكية. تقديرات جماعات حقوق الإنسان تشير إلى أن مئات الآلاف مهدّدون بالتشريد الدائم.
القلق من التهجير الموحد يجمع الدروز والمسيحيين، خصوصًا بعد اشتباكات حزيران في السويداء التي أفضت إلى مقتل وتهجير ألوف، وحرق منازل وكنائس.
في جديدة عرطوز، تنتشر شائعات عن تنسيق بين وحدات درزية وطائرات مسيّرة إسرائيلية لردع التهديد. وبينما يناقش البعض السفر كخطة طوارئ، يقول أحد أصحاب المحلات: “بوسعنا أن نعيش في المدينة أو القرية، لكن إن لم تحمِكَ الدولة، فجهز حقائبك“. ويضيف: “حتى المدن الكبيرة ليست آمنة — يمكنك تحقيق دخلٍ أعلى فيها، لكنها ليست بمنأى أو بمأمنٍ من القنابل“
نداءات دولية وتوصيات ضرورية
تعالت دعوات لضمان حماية دولية للمسيحيين. قال المعلّم الأب، طوني بطرس، من السويداء عبر وسائل التواصل: “نحن لسنا أقليات، نحن جزء من سوريا… نحن وإخوتنا الدروز نعيش هنا معًا“. وفي اتصالات مع الفاتيكان ومنظمات الأمم المتحدة، طالب قادة الكنائس بأن يُعتبر المسيحيون مواطنين كاملين لهم حقوقهم.
بعيدًا عن الوعود، يرى محللون أنه دون ضمانات واضحة، مثل محافظة لا مركزية أو دستور جديد، فإن العنف سيستمر.
اليوم، يقف المجتمع المسيحي الصغير في جديدة عرطوز عند مفترق طرق. من جهة، تهددهم السلطة الإسلامية المتنامية. ورغم أن القوات الدرزية المحلية توفر ما يشبه الحماية، فإن حكومة الجولاني، تتبنى صورة الدولة الإسلامية، عوضًا عن دولة المواطنة. من جهة أخرى، هناك الجمود واللامبالاة الحكومية: مشكلات إدلب والمناطق الشمالية والجنوبية، جعلت الضاحية الصغيرة ذات أولوية متدنية لدى السلطات.
وعلى الأرض، يقود المسيحيون حياة شبه مستقرة مؤقتة: يقبلون وجود قوات مسلحة مقابل استقرار مشروط، لكن لا تمثيل رسمي لهم في أي مجلس أعلى. وإذا تراجعت هذه القوات أو استبدلت بقوات أقل تسامحًا، فقد يجدون أنفسهم تحت حكم عشوائي وأحكام بغير سند.
كما قال أحد رجال الكنيسة المحلية: “عشنا دومًا بهدوء — عائلاتنا مندمجة مع الدروز، أولادنا لعبوا مع المسلمين — لكن السلام الآن قائم على السلاح والتهديد، لا على الثقة. نحن خائفون من الغد“
كلمات تعبّر عن الأمل الحذر والخوف الكامن اللذين يختبران الحياة في جديدة عرطوز اليوم. وهي تقف، بينما يزول عهد الأسد في الماضي، منتظرة، هل ستكرّم سوريا الجديدة فسيفساء إيمانها، أم ستُضاف هذه البلدة الصغيرة إلى قائمة المجتمعات المشردة بالحرب؟
قسد تتصدى لهجوم في ريف ديرو زعورو وتتهم دمشق بالتصعيد
ديرو زعورو (دير الزور), شمال وشرق سوريا – في أحدث فصول التوتر المستمر بين قوات سوريا الديم…