بعد 11 عاماً على إبادة سهل نينوى.. الكلدان السريان الآشوريون يطالبون باعتراف دولي وحماية إقليمية
سهل نينوى، بيث نهرين – بعد مرور 11 عاماً على الإبادة الجماعية التي اقتلعت قرابة نصف مليون مسيحي من السكان الأصليين من سهول نينوى ومدينة الموصل التاريخية، يجدد قادة الكلدان–السريان–الآشوريين دعوتهم للاعتراف الرسمي بالجريمة، ويتوسلون تحركاً دولياً عاجلاً لحماية وجود شعبهم المهدد.
في 4 آب 2014، وبعد يوم واحد فقط من شنّ ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش)، حملته الدامية على الإيزيديين في شيجور (شنكال)، وجّه التنظيم المتطرف سلاحه وأيديولوجيته نحو مسيحيي سهل نينوى، وأسفر ذلك عن حملة ممنهجة من التطهير العرقي والديني، استهدفت واحداً من أقدم الشعوب المسيحية في العالم.
وفي حديث لـ “أغوس” عشية إحياء الذكرى، شدد جوزيف صليوا، رئيس حزب اتحاد بيث نهرين الوطني، وعضو سابق في مجلس النواب العراقي، على خطورة ما جرى:
“لم تكن مجرد عملية تهجير، لقد كانت محاولة لطمس وجودنا بالكامل من أرض آبائنا وأجدادنا”، قال صليوا.
إبادة متجذرة في محو الذاكرة
الشعب الكلداني-السرياني-الآشوري، الذي يُعدّ من أقدم سكان بيث نهرين (ما بين النهرين)، وأوائل الشعوب التي اعتنقت المسيحية، تعرض عبر القرون لسلسلة من المجازر والتهجير القسري والتحويل الديني، لكنّ هجوم عام 2014 على سهل نينوى، تزامناً مع حملة داعش الوحشية في الموصل وشيجور (شنكال)، يمثل فصلاً من أكثر الفصول مأساوية في هذا التاريخ الطويل.
في البداية، منح داعش مسيحيي نينوى خياراً ثلاثياً قاسياً: اعتناق الإسلام، دفع الجزية، أو مغادرة منازلهم وممتلكاتهم دون مقاومة. ومع رفض هذه الخيارات، بدأ التهجير الجماعي.
القوات المحلية _ ومنها البيشمركة التي كانت قد تعهدت بحماية المنطقة _ طالبت سكان القرى السريانية بتسليم أسلحتهم، ما تركهم عُزّلاً أمام تقدم داعش السريع.
في غضون أيام قليلة، فر مئات الآلاف سيراً على الأقدام، تاركين خلفهم كل ما يملكون، وسرعان ما اجتاح داعش المنطقة، فدمّر 85 كنيسة في الموصل وسهل نينوى، وأحرق المقابر، ونهب البيوت، بل حتى القبور لم تسلم – إذ تم فتح التوابيت وسرقة محتوياتها من آثار وصلبان.
“شعب كاد أن يُمحى”
التكلفة البشرية كانت باهظة، يقول صليوا: “قُتل الآلاف، وأُخذت النساء والأطفال كرهائن، ومن نجا لم يكن أمامه خيار سوى الهرب”
أغلبهم لجأ إلى بلدات ذات غالبية كلدانية–سريانية–آشورية في إقليم كردستان العراق – مثل أربيل، نوهدرا (دهوك)، عنكاوا وشقلاوة، بينما اتجه آخرون نحو الشتات، ما أدى إلى انخفاض كارثي في عدد المسيحيين في العراق – إذ لم يتبقَ منهم اليوم سوى أقل من نصف مليون.
وعلى الرغم من عودة البعض إلى مناطقهم في سهل نينوى، يشير صليوا إلى أن نسبة العودة لا تتجاوز النصف، أما الموصل، التي كانت تُعد قلباً روحياً وتاريخياً للكلدان–السريان–الآشوريين، فلم يعد إليها أحد تقريباً.
“ربما هُزم داعش عسكرياً، لكن فكره – فكْر التعصب الديني والاجتماعي – لا يزال متجذراً في أجزاء من المجتمع العراقي”، أضاف صليوا.
دعوة للحكم الذاتي والاعتراف الدولي
رغم اعتراف البرلمان العراقي بجرائم داعش، إلا أن ذلك لم يترافق مع خطوات رسمية للاعتراف بها كـ “إبادة جماعية وفق القانون الدولي“
ويعتبر صليوا _ ومعه العديد من ممثلي هذا الشعب _ أن هذا الصمت ليس فقط ظلماً، بل خطراً وجودياً.
“إذا لم يُمنح سهل نينوى وضعاً إدارياً خاصاً مع ضمانات الحماية، فإن ما تبقى من شعبنا مهدد بالزوال”، حذّر صليوا.
وأضاف: “إن الأيديولوجيات التي أنجبت داعش لا تزال حيّة، ومن دون ضمانات مؤسساتية، فإن تكرار المأساة مسألة وقت”
وشدد على أن صون الثقافة السريانية والحياة المجتمعية، لا يمكن أن يُترك للمنظمات غير الحكومية وحدها. “هذه مسؤولية الدولة”، قال صليوا، “وعلى الدولة أن تعيد بناء الثقة وتوفر الأمن، حتى يتمكن شعبنا من العيش بكرامة في أرضه الأصلية”.
“قبل أن يفوت الأوان”
رسالة رئيس حزب اتحاد بيث نهرين الوطني واضحة: الاعتراف الدولي بالإبادة الجماعية، وخطوات ملموسة تضمن تحويل سهل نينوى إلى منطقة محمية بإدارة ذاتية لسكانها الأصليين.
“لقد تم تحريف هويتنا لسنوات طويلة”، أضاف صليوا، و”نحن أبناء بابل وآشور وأكاد وسومر، وشعبنا دفع الثمن فقط لأنه أصر على البقاء مسيحياً في أرضه التاريخية”
وفي الذكرى الـ 11 لإبادة سهل نينوى، يُحيي الكلدان–السريان–الآشوريون في جميع أنحاء العالم ذكرى الضحايا، والبيوت التي دُمرت، والثقافة التي كادت أن تُمحى.
لكنهم يقولون إن الذكرى وحدها لا تكفي، فبدون محاسبة دولية واعتراف رسمي، واستقلال إداري حقيقي، فإن خطر إبادة أخرى لا يزال قائماً.
“علينا أن نحمي ما تبقى”، ختم صليوا، “وإلا فلن يبقى شيء لنحميه”
إيشوع كورية، ممثل مجلس بيث نهرين القومي: الشعب السرياني يطالب بمكانه في سوريا الجديدة، ومهما كان مستقبل سوريا، نريد أن نكون جزءًا منه
تحدّث إيشوع كورية، عضو الهيئة التنفيذية لمجلس بيث نهرين القومي، بإسهاب في مقابلة مطولة عبر…