قلب الإيمان المسيحي: طريق الحج تمر بالقدس
بقلم: مريم يونس | ناشطة لبنانية-إسرائيلية مسيحية، تدافع عن حقوق المسيحيين في الشرق الأوسط
بصفتي مسيحياً ولدت وعشت كل حياتي في الأراضي المقدسة، راقبت بقلق متزايد كيف ابتعد الحج المسيحي عن اورشليم باتجاه الفاتيكان والبابا. هذا التوجه، الذي قد تحول الى تقليد كاثوليكي، ينطوي على خطر فصل الرواية المسيحية عن جذورها التاريخية والجغرافية، مما يقوّض وجود المسيحيين ذاته في الشرق الأوسط.
لمئات القرون، كانت أورشليم القلب النابض للحج المسيحي بلا منازع. إنها المدينة التي علّم فيها يسوع، وتألم فيها، وصُلب، وقام من بين الأموات. زيارة كنيسة القيامة، والسير في درب الآلام، ورؤية جبل الزيتون ليست مجرد سياحية؛ إنما اتصال جسدي وروحي بالأحداث التأسيسية لإيماننا. هذا الحج يعزز الإيمان الأساسي للمسيحية التي بدأت هنا، في هذه الأرض، ويؤكد أن إيماننا متجذر بعمق في تاريخ وشعوب الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن التركيز المتزايد على الحج إلى البابا في روما -أحيانًا على حساب رحلة إلى القدس- يهدد باستبدال هذه الرواية التاريخية بأخرى مركزية تتمحور حول الفاتيكان. وفي حين أن تكريم البابا وقيادة الكنيسة جزء من التقليد الكاثوليكي، فإن جعلها الوجهة الأساسية للرحلة الروحية يحول التركيز من “الأرض المقدسة” الفعلية إلى الرأس القيادي للكنيسة. هذا التغيير بسيط ولكنه مهم بإعادة صياغة الرواية المسيحية؛ فبدلًا من أن تكون قصة تتكشف في مكان ملموس ومحدد تدعم وجود مجتمع مسيحي حي، تصبح قصة مجردة مرتبطة بعاصمة أوروبية بعيدة.
هذا الانفصال له عواقب واقعية. المجتمع المسيحي في الشرق الأوسط صغير وغالبًا ما يواجه تحديات كبيرة واضطهاد خطير. إن وجود الحجاج من جميع أنحاء العالم هو مصدر حيوي للتضامن والدعم الاقتصادي، وتذكير قوي للمجتمع المحلي بأنهم ليسوا منسيين. عندما يختار الحجاج السفر إلى روما بدلاً من اورشليم، فإنهم لا يفوتون فقط فرصة السير على خطى يسوع، بل يفوتون أيضًا فرصة التضامن مع المسيحيين الأصليين الذين حافظوا على إيمانهم ووجودهم في هذه الأرض لألفي عام.
االديانة المسيحية، ليست قطع فاخرة محفوظة في متحف في أوروبا؛ إنما هي نمط حياة وهوية فخر في الأماكن التي وُلدت فيها. يجب أن نُذكّر إخواننا في الإيمان بأن الحج إلى الأرض المقدسة هي رحلة إيمان لا يمكن تعويضها. باختيارنا اورشليم، نحن لا نعمق حياتنا الروحية فحسب، بل نؤكد أيضًا التزامنا بالوجود المسيحي في الشرق الأوسط، مما يضمن أن قصتنا تظل حية ومرتبطة بوطنها الحقيقي.
ويُفاقم من هذا الانفصال المتزايد للروايات المسيحية عن الشرق الأوسط الانخفاض الكبير في المعرفة التوراتية والتاريخية بين الأجيال الشابة في الغرب. وقد وثقت منظمات بحثية دينية واجتماعية مختلفة هذا الاتجاه. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها جمعية الكتاب المقدس في المملكة المتحدة عام 2014 ( Bible Society), أن عددًا كبيرًا من المراهقين لم يتمكنوا من معرفة قصص توراتية أساسية، بما في ذلك قصة ولادة يسوع المسيح. وبشكل أوسع، أظهرت أبحاث مركز “بيو للأبحاث” (Pew Research Center) أن الشباب الأمريكيين يحصلون على درجات أقل في استطلاعات المعرفة الدينية مقارنة بالأجيال الأكبر سنًا.
هذا النقص في المعرفة لا يقتصر على التاريخ المسيحي؛ بل يساهم أيضًا في محو التاريخ اليهودي من الرواية. إذ تشير دراسات لعدد من علماء الآثار التوراتية وعلماء اللاهوت إلى جهل كثير من المسيحيين، خاصة الشباب، بجذور المسيح كيهودي. وهذا الجهل لا يُضعف فقط الفهم التاريخي للمسيحية، بل يقطع أيضًا الروابط اللاهوتية والتاريخية العميقة بين الديانتين، وهي روابط ضرورية لفهم تاريخ المنطقة. وفي غياب هذه المعارف، تفقد الأجيال الجديدة اتصالها بإرثها الديني، كما تغيب عنها رؤية تشابك هذه السرديات القديمة التي لا تزال تنبض بالحياة في هذه الأرض—بالشرق الاوسط وليس بروما.
تنويه: الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب, و لا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية لموقع SyriacPress أو موقفه اتجاه أي من الأفكار المطروحة.
تعبيراً عن الانتماء لبيث نهرين.. إيفا صليوا وزوجها جورج سباتر يصلان عنكاوا من ألمانيا على الدراجات الهوائية
عنكاوا، بيث نهرين ─ مهما كانت ظروف أبناء الشعب الكلداني-السرياني-الآشوري في دول المهجر، يب…