‫‫‫‏‫23 ساعة مضت‬

لجنة السلام الجديدة تعقد أولى جلساتها وحزب الشعوب الديمقراطي يطالب باللامركزية والحكم الشامل

أنقرة – في خطوة وُصفت بأنها تاريخية، عقدت لجنة السلام والديمقراطية، التي شُكّلت مؤخرًا بقرار من البرلمان التركي، أولى جلساتها هذا الأسبوع في العاصمة أنقرة، لتفتح بذلك الباب أمام مسار تحوّلي محتمل يهدف إلى إعادة النظر في نهج الدولة تجاه الحوكمة، والمساواة، والإدماج المدني. 

ورغم أن تشكيل اللجنة يرتبط في جذوره بالقضية الكردية التي تعود لعقود، إلا أن سياسيين من مختلف الأطياف، وعلى رأسهم ممثلو حزب الشعوب الديمقراطي (حزب المساواة والديمقراطية بين الشعوب )، يسعون إلى توسيع إطار النقاش ليشمل مراجعة شاملة لبنية النظام الديمقراطي في البلاد. 

وأكد مسؤولو حزب المساواة والديمقراطية بين الشعوب أهمية تبني نموذج للحكم اللامركزي، وتعزيز صلاحيات الإدارات المحلية، إلى جانب إجراء إصلاحات هيكلية تضمن الحقوق الجماعية والمشاركة السياسية لجميع المكونات المجتمعية في تركيا. 

و شهدت العاصمة التركية في 31 تموز/يوليو الإعلان الرسمي عن تشكيل لجنة السلام والديمقراطية المؤلفة من 51 عضوًا، والتي جاءت بدعم واسع من مختلف القوى السياسية، حيث تضم ممثلين عن جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان. 

ويأتي تأسيس اللجنة بعد إعلان حزب العمال الكردستان في 27 شباط/فبراير عن التخلي عن السلاح، استجابةً لنداء وجّهه الزعيم الكردي المعتقل عبد الله أوجلان، في تطور وُصف بالمفصلي في مسار القضية الكردية. 

رئيس البرلمان نعمان كورتولموش، المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية  والذي ترأس الجلسة الافتتاحية، وصف اللجنة بأنها تمثل “98 في المئة من الإرادة السياسية للأمة، معتبرًا إياهامنصة للوحدة والأخوة والتحول الديمقراطي“. وأكد التزام البرلمان بالشفافية والشمولية في أعمال اللجنة، مشددًا على أن الهدف لا يقتصر على تحقيق السلام، بل يشمل أيضًا بناء مستقبل ديمقراطي للبلاد. 

خلال الجلسة الافتتاحية للجنة السلام والديمقراطية، قدّمت الرئيسة المشاركة لحزب المساواة والديمقراطية بين الشعوب ورئيسة الكتلة البرلمانية، غوليستان قليج كوجييت، رؤية سياسية تتجاوز حدود حل النزاع التقليدي، داعية إلى إعادة تصوّر البنية الديمقراطية للدولة التركية. 

وقالت كوجييت في كلمتها: “نحن لا نوجد هنا لمعالجة مسألة واحدة فحسب بل لنعيد رسم أسس الديمقراطية في هذا البلد، وبناء نظام يكفل الحقوق والتعددية والمواطنة المتساوية للجميع.” 

وشدّدت على أن من صلب مقترحات حزب ضرورة تبنّي نهج اللامركزية وتعزيز الحكم المحلي. وأضافت: “لا يمكن للديمقراطية أن تكتمل دون الاعتراف بالحقوق الجماعية. إن عمليات اتخاذ القرار يجب ألا تُفرض، بل يجب أن تنطلق من مبدأ الإدارة الذاتية المحلية.” 

واصلت غوليستان قليج كوجييت انتقاداتها للنهج المركزي الذي تتبعه الدولة ولا سيما ما يتعلق بسياسة تعيينالقيّمينبدلًا من المسؤولين المحليين المنتخبين، معتبرة ذلك انتهاكًا صارخًا ليس فقط لحقوق الأكراد، بل لأسس الديمقراطية التركية بأكملها. 

وقالت: “احترام الإرادة الشعبية هو شرط أساسي لأي حُكم شرعي، مؤكدة أن فرض الوصاية على البلديات المنتخبة، خصوصًا في المناطق ذات الأغلبية الكردية، يقوّض الثقة بين المواطن والدولة. 

وأشارت كوجييت إلى أن أزمات البلاد مترابطة، ولا تقتصر على المسألة الكردية وحدها. وأضافت: “غياب المعايير الديمقراطية لا يؤثر على الأكراد فقط، بل يطال النساء، والعمال، والأقليات الدينية، وجميع الفئات المهمشة. فلا ديمقراطية من دون مساواة، ولا مساواة من دون لامركزية.” 

 لقيت تصريحات غوليستان قليج كوجييت صدى واسعًا لدى منظمات المجتمع المدني، وعلى رأسها اتحاد الجمعيات السريانية في تركيا، الذي دعا اللجنة إلى ضمان إدماج المكون السريانيالآراميالآشوريالكلدانيفي مستقبل تركيا الديمقراطي المنشود. 

وأشار الاتحاد إلى أن السريان، الذين عانوا تاريخيًا من التهميش والتهجير، يجب أن يكون لهم مكان واضح في مسار التحول الديمقراطي الجاري، باعتبارهم جزءًا أصيلًا من النسيج المجتمعي التركي. 

اقرأ ايضا: أوكيل توركر.. محادثات السلام التركية الكردية قد تحمل تأثيرًا إيجابيًا على السريان 

 جدّد اتحاد الجمعيات السريانية في تركيا دعوته إلى أن تضع لجنة السلام والديمقراطية قضايا المجتمعات السريانيةالآرامية، الآشورية، والكلدانيةفي صلب أولوياتها، لا سيما في المحافظات ذات الأغلبية السريانية جنوب شرقي البلاد. 

وأكد الاتحاد على أهمية تعليم اللغة الأم، وضمان الاستقلالية الثقافية، وتوفير وصول عادل إلى الخدمات العامة، مشددًا على أن هذه المطالب تشكل ركائز أساسية لأي تحول ديمقراطي حقيقي. وقال متحدث باسم الاتحاد: “الديمقراطية لا يمكن أن تكون انتقائية. مدارسنا، ولغتنا، وحقنا في التمثيل السياسي يجب أن تُحمى وتصان.” 

وفي الوقت الذي تُعد فيه القضية الكردية الدافع الرئيسي وراء تشكيل اللجنة شدّد قادة حزب المساواة والديمقراطية بين الشعوب على أن حل النزاع وحده لا يكفي لتحقيق السلام. وقالت غوليستان قليج كوجييت: “وقف الأعمال العدائية لا يعني تحقيق السلام. فالسلام الدائم يتطلب إطارًا سياسيًا ديمقراطيًا، شاملًا، وعادلًا.” 

و دعت غوليستان قليج كوجييت إلى صياغة إطار دستوري جديد يكرّس المساواة، وحقوق الأقليات، واللامركزية، ويؤسس لنظام يُنظر فيه إلى المواطنين ليس كمجرد ناخبين، بل كفاعلين مشاركين في صنع القرار. وقالت: “الغاية يجب أن تكون إقامة جمهورية ديمقراطية تقوم على التعايش والمسؤولية المشتركة.” 

وفيما أثار تشكيل اللجنة موجة من الترقب، حيث استقبل محللون ومنظمات حقوق الإنسان المبادرة بحذر، مشيرين إلى أن نجاح اللجنة سيعتمد على مدى جدية الدولة في تنفيذ توصياتها على أرض الواقع. ولفت مراقبون إلى أن محاولات سابقة للمصالحة، أبرزها عملية السلام بين عامي 2013 و2015، انهارت بفعل التوترات السياسية وعدم الالتزام الحقيقي بالحلول المطروحة. 

 ورغم الحذر الذي يحيط بآفاق عمل لجنة السلام والديمقراطية، يرى مراقبون أن تشكيلها في أعقاب خطوة نادرة نحو نزع السلاح، مدعومة بإرادة سياسية متواصلة، قد يشكّل فرصة ثانية حقيقية لتحقيق تحول ديمقراطي في تركيا. 

:وقالت غوليستان قليج كوجييت في ختام كلمتها 

نحن مدينون لجميع شعوبنامن أتراك وأكراد وسريان وعلويين وغيرهمبأن نجعل من الديمقراطية واقعًا ملموسًا. هذه اللجنة فرصة تاريخيةفلنحرص عليها 

تجدر الإشارة إلى أن لجنة السلام والديمقراطية شُكّلت عقب دعوة الزعيم الكردي عبد الله أوجلان إلى حل سلمي للنزاع التركيالكردي المستمر منذ عقود. وتحظى اللجنة بدعم واسع من مختلف الكتل البرلمانية، وتهدف إلى صياغة توصيات لإصلاح ديمقراطي شامل يشمل الحكم المحلي، والمساواة المدنية، ومشاركة جميع المكونات في الحياة السياسية. 

ويعمل حزب المساواة والديمقراطية بين الشعوب، باعتباره من أبرز قوى المعارضة، على نقل النقاش من إطاره العرقي إلى بُعد أوسع يتناول بنية النظام الديمقراطي، في تحول قد يسهم في إعادة رسم ملامح المشهد السياسي التركي في المرحلة المقبلة. 

‫شاهد أيضًا‬

أحزاب لبنان المسيحية: “على حزب الله الاعتذار من اللبنانيين على ما ارتكبه بحقهم على مدى 35 عامًا”

بيروت ─ اعتاد لبنان وأحزابه وأطرافه السياسية طوال عقود، على التصادم والتناحر وتباين المواق…