الصراع بين الأجيال وديناميكيات القيادة في الشتات السرياني/الآشوري بين الإرث السلطوي والحداثة الرقمية
بقلم: دنهو بار موراد-أوزمن | مربي خاص ومستشار سابق في الوكالة الوطنية السويدية للتربية الخاصة
الملخص
تتناول هذه الدراسة الهياكل القيادية داخل الشتات السرياني/الآشوري في أوروبا، مع تركيز خاص على تحولات السلطة المرتبطة بالفروقات الجيلية، والتي أصبحت ممكنة بفعل الرقمنة والعولمة. تسلط الدراسة الضوء على قمع هيكلي تمارسه الجيل الأكبر سناً، والذي لا يزال يهيمن على مؤسسات الشتات، متأثراً بأنماط ثقافية سلطوية قادمة من الشرق الأوسط. ومن خلال تحليل أمثلة تاريخية ومعاصرة، تدّعي الدراسة أن انتقال السلطة إلى الجيل الشاب، المتربّي في السياق الأوروبي، أمرٌ حاسم لبقاء المؤسسات وارتباطها الثقافي بالعصر الحديث.
مقدمة
يعيش الشتات السرياني/الآشوري في أوروبا مرحلة من البحث عن الهوية وإعادة تقييم هيكلي شامل. كان الجيل الأول من المهاجرين الذين وصلوا خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين قد وضع الأساس لإنشاء مؤسسات دينية وثقافية وسياسية في المنفى. ورغم وجود جيل شاب متعلم ومنخرط اجتماعياً ويتبنى القيم الأوروبية، إلا أن تأثيره العملي على هذه المؤسسات ظل محدوداً للغاية.
إرث القيادة السلطوية في المنفى
تحمل أساليب القيادة لدى الجيل الأكبر تأثيرات واضحة من الأنظمة السياسية السلطوية في بلدان المنشأ، حيث تسود مفاهيم الهرمية والطاعة والرقابة. تعكس هذه الثقافة الإدارية ما وصفه إدوارد سعيد (1978) بـ “الاستشراق المُتجذّر داخلياً” (nternalized Orientalism)، أي الحالة التي تعيد فيها الأقليات المضطهدة إنتاج البُنى القمعية ذاتها حتى في سياقات المنفى. وغالباً ما تؤدي الحذَر الزائد لدى القيادات القديمة تجاه المجتمعات المضيفة إلى عرقلة النقد الداخلي والابتكار والتجديد الجيلي.
المصالح الاقتصادية والزبائنية في مجالس الشتات
تتأثر العديد من مؤسسات الشتات، خصوصاً الدينية والثقافية، بشبكات غير رسمية ومصالح اقتصادية وروابط ولاء شخصية، أكثر من تأثرها بالكفاءة أو الشفافية أو المبادئ الديمقراطية. ويؤدي هذا إلى نشوء نظام *الزبائنية* (Clientelism)، حيث تُمارس السلطة من خلال خدمات متبادلة وروابط شخصية بدلاً من القواعد الرسمية أو الاستحقاق المهني.
غالباً ما تُبنى هذه الأنماط حول العائلات أو العشائر أو المناطق الجغرافية الأصلية، مما يكرّس قيادة أبوية غير قائمة على الكفاءة. وقد تم توثيق مثل هذه البنى في بيئات شتات أخرى ذات خلفيات شرق أوسطية (Haddad, 2011; Lewis, 2002)، حيث تتغلب السلطة التقليدية والروابط الأسرية على مفاهيم الانفتاح وتداول القيادة.
في بعض الحالات، تهيمن على المجالس القيادية شخصيات من مواليد الستينيات أو قبلها، ويحتفظون بمناصبهم لفترات طويلة دون إتاحة الفرص للجيل الشاب. وقد تم تسجيل حالات في أوروبا تشير إلى غياب الشفافية المالية، والمحسوبية (تفضيل الأقارب)، ومشكلات في التدقيق المالي، مما أدى إلى نشوء صراعات داخلية وتراجع ثقة الشباب بالمؤسسات (Atto, 2011). وعليه، فالأمر لا يقتصر على كونه صراع أجيال، بل يعكس غياباً للتجديد المؤسسي والشرعية الداخلية.
الجيل الشاب المُهمَّش
يتمتع العديد من الشباب السريان/الآشوريين في أوروبا بمستويات تعليمية عالية، ويتقنون لغات المجتمعات الأوروبية، ويملكون خبرة في الأطر الديمقراطية وأدوات الرقمنة. ومع ذلك، يواجهون صعوبة في الوصول إلى مواقع اتخاذ القرار مثل المجالس الكنسية، وإدارات الجمعيات، والمجالس السياسية. يؤدي هذا إلى ركود في الإرث الثقافي، والذي يُصبح مهدداً بالجمود بدلاً من أن يتطوّر بما يتناسب مع العصر (Atto, 2011).
النظام العالمي الجديد كفرصة
أوجدت الرقمنة، والشبكات العابرة للحدود، والذكاء الاصطناعي فضاءات جديدة لتشكيل الهوية وممارسة القيادة. ويملك الجيل الشاب فرصة لبناء جسور بين التقاليد والحداثة، من خلال تنظيم أنفسهم عبر منصات رقمية تتجاوز الحدود القومية. وإذا ما مُنح هذا الجيل تفويضاً فعلياً لتشكيل مؤسسات جديدة، يمكن أن يستعيد الشتات مكانته الثقافية والسياسية في عالم معولم (Floridi, 2014؛ Castells, 2000).
لقد حان وقت انتقال القيادة
لضمان استمرارية الإرث الثقافي وتعزيز مستقبل الشتات، هناك حاجة ملحّة إلى انتقال فعلي ومنهجي للسلطة إلى القيادات الشابة. لا تكفي الرمزية وحدها؛ بل يجب منح التأثير الحقيقي من خلال إصلاحات، وبرامج التوجيه، والاعتراف بالكفاءات الجديدة. وكما عبّر حنيكة (2015): لا يمكننا المضي قُدماً وعيوننا لا تزال تنظر إلى الوراء.”
خاتمة
يقف الشتات السرياني/الآشوري عند مفترق طرق. وإذا لم تنجح المنظمات في تجديد هياكلها، فإنها تخاطر بفقدان صِلتها بالواقع وبالتالي فقدان مشاركة الجيل الشاب وثقته بالمستقبل. لذلك، فإن التحول البنيوي في القيادة ليس مجرد خيار، بل ضرورة حتمية. يجب تكريم مساهمات الجيل الأكبر، ولكن المستقبل يجب أن يكون لأولئك الذين يفهمونه ويشكّلونه.
شرح المصطلحات الأساسية
الشتات (Diaspora) مجموعة سكانية تعيش خارج موطنها الأصلي مع الحفاظ على هويتها الثقافية المرتبطة بذلك الموطن.
القيادة السلطوية (Authoritarian Leadership): نمط من القيادة يعتمد على السيطرة، والتسلسل الهرمي، والطاعة، بدلاً من الحوار والمشاركة.
الاستشراق المُتجذّر داخلياً (Internalized Orientalism): وفقاً لإدوارد سعيد، هي حالة يتبنى فيها الأفراد من ثقافات مُستَعمَرة أو مهمَّشة البنى القمعية التي فرضها المستعمِر.
الزبائنية (Clientelism): نظام يُمارس فيه النفوذ والسلطة من خلال علاقات شخصية من الولاء والخدمات المتبادلة، وليس عبر القوانين الرسمية أو الكفاءة.
المحسوبية (Nepotism) تفضيل الأقارب أو الأصدقاء في التعيينات والمناصب داخل المنظمات.
الشبكات العابرة للحدود (Transnational Networks): شبكات اجتماعية أو ثقافية أو سياسية تمتد عبر أكثر من دولة واحدة.
دنحو بار موراد-أوزمن هو مربي خاص ومستشار سابق في الوكالة الوطنية السويدية للتربية الخاصة. يعمل محاضرًا، وقدّم أفلامًا تعليمية على التلفزيون السويدي، وكتب مقالات في مجلات تربوية سويدية. وُلد في قرية حبشيس بمنطقة طور عبدين، وكتب عن الشعب السرياني في مجلة “حُدادة” والمجلة البطريركية السريانية الأرثوذكسية. كما أنه صحفي نشط ومقدّم برامج في قناة سورويو
تنويه: الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب, و لا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية لموقع SyriacPress أو موقفه اتجاه أي من الأفكار المطروحة
المراجع
- Atto, N. (2011). *Hostages in the Homeland, Orphans in the Diaspora: Identity Discourses among the Assyrian/Syriac Elites in the European Diaspora*. Leiden University Press.
- Bourdieu, P. (1986). *The Forms of Capital*. In J. Richardson (Ed.), *Handbook of Theory and Research for the Sociology of Education*. Greenwood.
- Castells, M. (2000). *The Rise of the Network Society* (2nd ed.). Wiley-Blackwell.
- Floridi, L. (2014). *The Fourth Revolution: How the Infosphere is Reshaping Human Reality*. Oxford University Press.
- Haddad, Y. Y. (2011). *Becoming American?: The Forging of Arab and Muslim Identity in Pluralist America*. Baylor University Press.
- Hall, S. (1990). *Cultural Identity and Diaspora*. In J. Rutherford (Ed.), *Identity: Community, Culture, Difference*. Lawrence & Wishart.
- Haninke, A. K. (2015). “Dags att släppa in nya röster.” *Hujådå – Tidskrift för Assyrier i Sverige*, Nr 1.
- Lewis, B. (2002). *What Went Wrong? The Clash Between Islam and Modernity in the Middle East*. Oxford University Press.
- Said, E. W. (1978). *Orientalism*. Pantheon Books.؟
الشبيبة السريانية تواصل فعاليات المخيم التنظيمي في سويسرا
سويسرا ─ بعد انطلاقه في 3 آب 2025، وتجمع شباب وشابات الشعب السرياني (الكلداني-الآشوري-الآر…