في خطوة تاريخية…مجلس الوزراء يقرّ خطة بدعم أميركي لحصر السلاح بيد الدولة رغم اعتراض حزب الله
بيروت – في خطوة وصفتها الإدارة الأمريكية بأنها “تاريخية، جريئة وصائبة“، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني الأهداف الأساسية لخطة توسطت فيها الولايات المتحدة، تهدف إلى استعادة احتكار الدولة للسلاح، وتضع للمرة الأولى منذ عقود مسألة نزع سلاح ميليشيا حزب الله الإيرانية في لبنان على جدول الأعمال السياسي الرسمي.
وتستند الخطة، التي قدمها المبعوث الأمريكي توماس باراك، ونالت دعم كل من رئيس الجمهورية السرياني الماروني، جوزيف عون، ورئيس مجلس الوزراء، نواف سلام، إلى التنفيذ الكامل لاتفاق الطائف، والدستور اللبناني، وقرار مجلس الأمن رقم 1701. وتشمل الخطة إعداد جدول زمني للقوات المسلحة اللبنانية لتقديم خارطة طريق واضحة قبل نهاية آب، تهدف إلى توسيع سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وضمان حصرية حيازة السلاح بيد المؤسسات الشرعية وحدها.
وقال باراك، في تصريح رسمي: “هذه الخطة تضع أخيرًا مبدأ ‘أمة واحدة جيش واحد‘ موضع التنفيذ في لبنان“، مؤكّدًا أن المبادرة تحظى بدعم واسع من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر وعدد من الدول المعنية باستقرار لبنان.
وتنص المبادرة على إنهاء تدريجي للوجود المسلح لجميع الفاعلين غير الحكوميين، بما في ذلك “حزب الله“، شمال وجنوب نهر الليطاني، إلى جانب إعادة انتشار الجيش اللبناني في المناطق الحدودية، وتسوية النزاعات الإقليمية المعلّقة مع كل من إسرائيل وسوريا. كما تدعو الخطة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم الاقتصاد اللبناني، في سياق إصلاحات شاملة تعزز استعادة الثقة داخليًا وخارجيًا.
جاء التصويت على الخطة بعد جلسة عاصفة عقدها مجلس الوزراء يوم الخميس في قصر بعبدا، وذلك في أعقاب قرار سابق للحكومة بتكليف الجيش اللبناني بإعداد خطة تنفيذية لنزع السلاح. وشهدت الجلسة نقاشات محتدمة، حيث حاول وزراء محسوبون على الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، تأجيل البحث في الخطة إلى حين اكتمال مقترحات الجيش، إلا أن هذا الطرح قوبل برفض قاطع من رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ووزراء من حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب، والحزب التقدمي الاشتراكي، بالإضافة إلى عدد من الوزراء المعيّنين من قبل الرئيس.
وبحسب رواية مفصّلة نشرتها صحيفة نداء الوطن، لوّح كل من وزير العمل، محمد حيدر، ووزير الصحة، راكان نصر الدين، ووزيرة البيئة، تمارا زين، بالانسحاب من الجلسة في حال إصرار الحكومة على المضي قدمًا في التصويت. وبعد فشل مساعٍ للوساطة، انسحب الوزراء الثلاثة من الاجتماع، ولحق بهم لاحقًا وزير الصناعة، فادي مكي، المعيّن شيعيًا، معلنًا أنه “لا يستطيع أن يتحمل عبء القرار الشيعي في مجلس الوزراء بمفرده”
وبرغم الانسحاب، مضت الجلسة في مناقشاتها، ما مهّد لاعتماد الخطة وسط انقسام سياسي واضح، يسلّط الضوء على التحديات المقبلة في مسار التنفيذ.
لم يُوقف انسحاب عدد من الوزراء سير جلسة مجلس الوزراء، التي استمرّت في الانعقاد بشكل طبيعي. ونُقل عن رئيس الجمهورية، جوزيف عون قوله خلال الجلسة: “لقد انتهى عصر الأساليب القديمة“، مشدداً على أن الحكومة لن تُشلّ بسبب المقاطعات. ومع حضور 23 وزيرًا، صوّت مجلس الوزراء بالإجماع على تبنّي الأهداف الأساسية للمقترح، في خطوة تُعد الأولى من نوعها منذ عام 1990، تُعلن فيها الحكومة رسميًا التزامها بإقامة قوة مسلحة واحدة تحت سلطة الدولة.
وقد أعاد القرار إلى الواجهة سؤالًا طالما لاحق الحياة السياسية اللبنانية منذ انتهاء الحرب الأهلية: لماذا لم يُنزع سلاح حزب الله في المقام الأول؟
فقد نصّ اتفاق الطائف عام 1989، واللجان الوزارية المنبثقة عنه، على حلّ جميع الميليشيات وتسليم أسلحتها إلى الدولة. وبالفعل، امتثلت غالبية الفصائل المسلحة لهذا الالتزام بحلول منتصف عام 1991، حيث قامت “القوات اللبنانية” بتسليم جزء من ترسانتها للجيش اللبناني، وبيع ما تبقى من الأسلحة الثقيلة في الخارج، كما سلّمت كل من حركة “أمل” و“الحزب التقدمي الاشتراكي” أسلحتهما، إما للجيش اللبناني أو للقوات السورية المنتشرة آنذاك في البلاد.
إلا أن “حزب الله” احتفظ بسلاحه، مبررًا ذلك بضرورة مواصلة “المقاومة” ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. وقد تحوّل هذا الاستثناء بمرور السنوات إلى حالة دائمة، ما أثار جدلًا سياسيًا واسعًا بشأن ازدواجية السلاح وتحدي سيادة الدولة، وصولًا إلى اللحظة السياسية الراهنة التي تشهد أول تحرّك رسمي لمعالجة هذه المسألة ضمن الإطار الدستوري والسيادي اللبناني.
ما كان يُعدّ مقبولاً في الماضي تحت عنوان “المقاومة“، بات اليوم _ في نظر شريحة واسعة من اللبنانيين _ عائقًا جوهريًا أمام الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. وفي هذا السياق، تسعى حكومة رئيس الوزراء، نواف سلام، إلى تفعيل الرؤية التي وضعها اتفاق الطائف قبل 35 عامًا، والتي نصّت بوضوح على حصرية السلاح بيد الدولة، وإلغاء كافة المظاهر المسلحة الخارجة عن الشرعية.
وقد لاقى القرار الحكومي ترحيبًا حارًا من البطريركية السريانية المارونية، التي دأبت منذ سنوات على الدفاع عن مبدأ “الحياد الإيجابي“، وهو المفهوم الذي أطلقه البطريرك السرياني الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لأول مرة في عام 2020، باعتباره مخرجًا من دوامة النزاعات الإقليمية وانقسام الداخل اللبناني.
وبحسب ما ورد في مقال للكاتب آلان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”، يعتبر قادة الكنيسة السريانية المارونية أن قرار مجلس الوزراء، يشكّل خطوة طال انتظارها على طريق إعادة تثبيت سيادة الدولة، وتقليص التدخلات الخارجية في الشأن اللبناني، وتهيئة الظروف السياسية والأمنية التي تُمكّن من إطلاق خطة جدية لعودة النازحين السوريين، من خلال تثبيت الاستقرار في الداخل وتعزيز موقع لبنان ضمن محيطه العربي والدولي.
اقرا المزيد: “خارطة طريق مارونية نحو الدولة: حصر السلاح بيد الجيش ودعوة لمؤتمر دولي لإنقاذ لبنان”
بالنسبة للبطريركية السريانية المارونية، فإن الحياد ليس شعارًا منفصلًا عن الواقع السياسي، بل هو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بنزع السلاح غير الشرعي. فبرأيها، لا يمكن للبنان أن يتجنّب الانجرار إلى صراعات الآخرين بشكل فعلي ومصداقي، ما لم تحتكر الدولة وحدها حيازة واستخدام السلاح.
ويجمع الإطار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، بين مساري الإصلاح الأمني والتعافي الاقتصادي، حيث يقترح عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار والاستقرار المالي فور تحقيق تقدم ملموس في مسألة استعادة السيادة. كما تنص الخطة على ضرورة تعزيز قدرات القوات المسلحة اللبنانية، بما يلزم من “وسائل عسكرية مناسبة“، لتمكينها من تنفيذ مهامها الدستورية على كامل الأراضي اللبنانية.
ومع ذلك، لا تزال المعركة السياسية في بداياتها، فقد رفض “حزب الله” قرار مجلس الوزراء واعتبره “غير موجود“، في حين دعت حركة “أمل” إلى إلغائه بالكامل، ما يعكس حجم التحدي الذي تواجهه الحكومة في تنفيذ الخطة. ويبقى السؤال الجوهري: هل ستتمكّن الحكومة من الصمود والمضي قدمًا رغم المعارضة الراسخة؟ وهل يستطيع الجيش اللبناني ترجمة الأهداف المعلنة إلى واقع فعلي على الأرض؟
الجواب على هذين السؤالين سيُحدد ما إذا كان تصويت يوم الخميس يشكّل نقطة تحول حقيقية في مسار السيادة اللبنانية، أم أنه سيلتحق بلائحة الوعود غير المنجزة، التي لطالما أثقلت تاريخ لبنان السياسي منذ نهاية الحرب الأهلية.
الأحزاب السيادية المسيحية اللبنانية.. اليوم نطوي صفحة 40 عاماً من الإرهاب
بيروت ─ في أعقاب القرار التاريخي الذي اتخذته الحكومة اللبنانية، بالموافقة على خطة المبعوث …