‫‫‫‏‫يوم واحد مضت‬

قانون انتخابي مثير للجدل يعمّق الانقسامات في سوريا ما بعد الأسد

دارمسوق (دمشق) / إقليم شمال شرق سوريا ─ عقب سقوط النظام السوري السابق البائد برئاسة بشار الأسد، على يد “هيئة تحرير الشام” المنحلة وفصائلها العسكرية بقيادة أحمد الشرع، توسم السوريون خيراً، وغمرتهم آمال التحرر من النهج الاستبدادي للنظام السابق، والوصول نحو دولة سورية ديمقراطية تسودها قوانين ديمقراطية تراعي التعددية الإثنية والسياسية، وتحترم خصوصية كل مكون من مكونات الشعب السوري، كالسريان (الكلدان-الآشوريين-الآراميين) والكرد والعرب والدروز والأرمن وغيرها من الشعوب التي ميّزت سوريا عن غيرها من دول المنطقة. 

تلك الآمال أخذت تتبخر شيئاً فشيئاً، مع كل قرار اتخذه الرئيس السوري، أحمد الشرع، الذي نصب نفسه رئيساً دون أية انتخابات رسمية شرعية، ما أوحى لعدة فئات من الشعب بصورة قاتمة لمستقبل سوريا، في ظل الحكومة السورية الجديدة. آخر تلك القرارات كان قانون النظام الانتخابي، وفق المرسوم رقم (143)، الخاص بالمصادقة على النظام الانتخابي “المؤقت” لمجلس الشعب السوري. وتضمن المرسوم 54 مادة موزعة على 13 فصلاً، وحدد شروط الترشح لانتخابات مجلس الشعب والتمثيل النسائي (20%)، ونسبة تمثيل ذوي الشهداء والناجين من الاعتقال. 

نص المرسوم على تحديد عدد أعضاء المجلس بـ 210 نواب، على أن يعين الشرع ثلث النواب، بينما يُحدد الثلثان الآخران من قبل “هيئات ناخبة”، يصادق على قراراتها أحمد الشرع أيضاً، أضف على ذلك قيوداً تمنع ترشح أي شخص من أتباع أو مؤيدي النظام السابق، بغض النظر عن كفاءته أو شعبيته ضمن مدينته أو محافظته أو منطقته. 

ورغم ما أثاره ذلك المرسوم من استنكار وسخط شعبي وسياسي كبيرَين، محلياً ودولياً، أمعنت الحكومة السورية في إقصاء فئات من الشعب السوري من السباق الانتخابي البرلماني الضامن لتمثليها في مجلس الشعب _ والذي يفترض أن يكون مرآة ومنبراً لمطالب واحتياجات الشعب السوري _ إذ أصدرت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب قراراً بتأجيل انتخابات محافظات الرقة والحسكة (مناطق إقليم شمال شرق سوريا) والسويداء، بذريعة أن تلك المحافظات تشهد “تحديات أمنية”، كما قررت إرجاء العملية الانتخابية في المحافظات الثلاث، لحين توفر ما أسمته “الظروف المناسبة والبيئة الآمنة” لإجرائها، مدعية أن مخصصات المحافظات الثلاث من المقاعد “محفوظة” إلى حين إجراء الانتخابات فيها “في أقرب وقت ممكن”. اعتُبِرَ ذلك “الوعد” من قبل مراقبين، أنه مماطلة لتنفيذ أجندات والاستفراد في الحكم لأجل “غير مسمى”، وهذا ما أشارت إليه صراحةً الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سوريا، من خلال بيانٍ شديد اللهجة، قالت فيه: “لقد ضحى السوريون من أجل أن يحصلوا على حقوق المواطنة الحقيقة، وعلى رأسها حق الترشيح والانتخاب النزيه الحر. إلا أننا نرى أن التاريخ يكرر نفسه، ويتم _ مرة أخرى _ سلب هذا الحق من كل السوريين”. ووصفت الإدارة الذاتية الانتخابات المقبلة بأنها “ليست ديمقراطية” معتبرةً أنها “لا تعبّر عن إرادة السوريين بأي شكل من الأشكال، ولا تمثل سوى استمرار لنهج التهميش والإقصاء الذي عانى منه السوريون” خلال السنوات الـ 62 الماضية تحت حكم البعث. 

الإدارة الذاتية أكدت أن إجراء الانتخابات سيشكل إقصاءً لنصف السوريين، مفندةً ادعاء دارمسوق (دمشق) بأن مناطق إقليم شمال شرق سوريا ليست آمنة، قائلةً إن “تعريف مناطقنا بأنها مناطق غير آمنة لتبرير سياسة الإنكار لأكثر من 5 مليون سوري، هو عار عن الصحة، لأن مناطق شمال وشرق سوريا هي أكثر المناطق أمناً، نظراً إلى المناطق الأخرى في سوريا”. 

وليد فارس، المستشار وخبير العلاقات الخارجية الأمريكي، علق على القرار الأخير عبر منشور على “إكس”، قال فيه: إن “نظام هيئة تحرير الشام” في دارمسوق (دمشق) “منع الانتخابات في السويداء ومعظم مناطق قوات سوريا الديمقراطية”، مضيفاً أن ذلك من شأنه منع شعوب تلك المناطق (سريان-كلدان-آشوريون-آراميون ومسيحيون وأكراد وعرب ودروز) “من المشاركة في العملية الانتخابية على الرغم من النصائح الدولية بعكس ذلك”. 

وأشار فارس إلى أنه و”ردًا على ذلك، قد تدرس السويداء والشمال الشرقي إجراء انتخابات خاصة بهما في نفس التاريخ، تحت إشراف دولي”، وتابع بالقول: “ويمكن لهذه المناطق الجنوبية والشمالية الشرقية إنشاء مجالسها المستقلة لتمثيل سكانها”. 

وعاد فارس ليضيف في منشور آخر: ” بإمكان محافظة السويداء ومناطق قسد أن تنظم استفتاء في مناطقها في نفس اليوم مع مراقبين، وربما انتخابات محلية، كخطوة باتجاه تقرير المصير”. 

ذلك الغموض يثير تساؤلات عدة، هل ستنفذ دارمسوق (دمشق) وعدَها بالحفاظ على مقاعد تلك المحافظات؟ أم سيتولى الشرع بنفسه اختيار ممثليها؟ أم أن دارمسوق (دمشق) تسعى لإيصال رسائل مفادها أن تمثيل المحافظات لا يمكن أن يتم دون سيطرة الحكومة عليها؟ وبالتالي، هل ستتجه الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سوريا والسويداء، لما أشار إليه وليد فارس، ألا وهو إجراء استفتاء شعبي في مناطقها، أو انتخابات محلية لتقرير مصيرها؟ 

‫شاهد أيضًا‬

مكونات شمال وشرق سوريا تلتقي لمناقشة التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة

تل تمر، شمال شرق سوريا – بحضور عدد كبير من ممثلي المكونات السريانية (الكلدانية-الآشورية-ال…