النضال الطويل من أجل الاعتراف بإبادة السيفو
يريفان – منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، يخوض أبناء الجاليات السريانية (الآرامية – الآشورية – الكلدانية) حملة واسعة من أجل الحصول على اعتراف رسمي بإبادة السيفو التي ارتكبها العثمانيون عام 1915 بحق الشعب السرياني (الآرامي–الآشوري–الكلداني). حتى اليوم، اعترفت قلة من الدول والبرلمانات رسمياً بالسيفو، وغالباً ما أتى الاعتراف متلازماً مع إبادة الأرمن واليونان التي وقعت في الفترة ذاتها. ومن أبرز المحطات أن “الرابطة الدولية لدارسي الإبادة الجماعية” أصدرت عام 2007 قراراً يعترف رسمياً بإبادة السيفو.
لقد شملت الفظائع التجنيد القسري وقتل الشبان، تدمير القرى والكنائس، وترحيل ومجازر النساء والأطفال والشيوخ. وتشير التقديرات التاريخية إلى استشهاد مئات الاف من السريان (الآراميين–الآشوريين–الكلدان)، بالإضافة إلى تهجير أعداد هائلة منهم. هذه الجرائم التي نفذتها القوات العثمانية بمشاركة ميليشيات كردية غير نظامية وقعت في مناطق واسعة من شرق الأناضول والمناطق المجاورة، بما فيها إيران، حيث فقد عشرات الآلاف من السريان حياتهم في منطقة أذربيجان الإيرانية عام 1915. ويؤكد “متحف الإبادة الجماعية – معهد أرمينيا” أن الناجين من السريان وذريتهم ظلوا في طي النسيان طويلاً، ولم تبدأ عملية إحياء ذكراهم إلا في العقود الأخيرة.
عام 2010، أصبح البرلمان السويدي أول هيئة تشريعية وطنية تعترف رسمياً بإبادة الأرمن والسريان (الآراميين–الآشوريين–الكلدان) واليونانيين على يد العثمانيين. القرار مرّ بفارق صوت واحد (131 مقابل 130) وأثار احتجاجاً دبلوماسياً حاداً من تركيا.
وفي 24 آذار/مارس 2015، صوّت البرلمان الأرمني بالإجماع على قرار يدين “إبادة اليونانيين والآشوريين التي ارتكبتها تركيا العثمانية بين عامي 1915 و1923”. وفي العام نفسه، اعتمد البرلمان الهولندي قراراً ملزماً يعترف بإبادات الأرمن والسريان (الآراميين–الآشوريين–الكلدان) واليونانيين. وقد وصف النائب الهولندي جويل فوردويند القرار بأنه “إشارة إلى الحكومة التركية للاعتراف بماضيها”.
عام 2016، أقرّ البوندستاغ الألماني قراراً يخلّد ذكرى إبادة 1915، مع الإشارة صراحة إلى أن “مجموعات مسيحية أخرى، وخاصة السريان/الآشوريين والكلدان”، كانت أيضاً من ضحايا الترحيل والمجازر.
أما مجلس الشيوخ الفرنسي، فقد أقرّ في عام 2023 قراراً بأغلبية ساحقة يعترف بإبادة السيفو، ودعا الحكومة الفرنسية لاتخاذ الخطوة نفسها، محدداً يوم 24 نيسان/أبريل يوماً سنوياً لإحياء الذكرى. وقد أحيل القرار إلى الجمعية الوطنية لإقراره بشكل نهائي.
ومع ذلك، تبقى معظم هذه الاعترافات رمزية، لأن تركيا، بصفتها الدولة الوريثة للإمبراطورية العثمانية، ترفض بشدة الاعتراف بالإبادة. وتصرّ الجاليات الأرمنية والسريانية (الآرامية–الآشورية–الكلدانية) على أن كل اعتراف رسمي يجب أن يترافق مع خطوات ملموسة، مثل تخصيص أيام ذكرى، وإدراج الحدث في المناهج الدراسية، والنقاش حول التعويضات أو إعادة الممتلكات المصادرة. بالفعل، أعلنت أرمينيا عام 2015 يوم 9 كانون الأول/ديسمبر “يوم إحياء ذكرى ضحايا جميع الإبادات” لتأكيد هذه النقطة. ويؤكد الناشطون أن الاعتراف يجب أن يتجاوز الإيماءة المعنوية ليحمل معنى عملياً عبر التعليم والتخليد وأحياناً العدالة المادية للضحايا.
الموقف الإسرائيلي الجديد والرد الأرمني
في مقابلة أُجريت في أواخر آب/أغسطس 2025، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعترافه العلني بالإبادة للمرة الأولى من قبل رئيس وزراء إسرائيلي.
وعندما سُئل عن سبب عدم اعتراف إسرائيل رسمياً بإبادة 1915 من قبل، أجاب: “لقد فعلت الآن. ها أنت ذا”. بهذه العبارة، أقرّ نتنياهو بوقوع إبادة الأرمن واليونانيين والسريان (الآراميين–الآشوريين–الكلدان) كحقيقة تاريخية. وسائل الإعلام الإسرائيلية ومنظمات الشتات التقطت هذا التصريح فوراً.
حتى قبل تصريح نتنياهو، كانت إسرائيل قد بدأت تُظهر بعض الليونة تجاه مصطلح “إبادة الأرمن”. وعلّقت قناة “يورونيوز” بأن إسرائيل “لطالما واجهت صعوبة في هذا الملف بسبب علاقاتها مع تركيا”، لكن نتنياهو قال صراحة في المقابلة: “إسرائيل تعترف بالإبادة” التي ارتكبت بحق المسيحيين العثمانيين.
وقد أثارت تعليقاته رفضاً فورياً من أنقرة، التي اتهمته بالانتهازية السياسية، فيما رحبت بها المجموعات الأرمنية والسريانية (الآرامية–الآشورية–الكلدانية). وأشاد آرام هامباريان، المدير التنفيذي للجنة الوطنية الأرمنية في أميركا، بكلمات نتنياهو، ودعا إسرائيل إلى “قطع تحالفها العسكري مع أذربيجان والضغط علناً على تركيا للتخلي عن إنكارها”. بعبارة أخرى، يرى قادة الشتات الأرمني أن اعتراف إسرائيل قد يشكل وسيلة للضغط عليها لتغيير سياساتها.
أما في يريفان، فقد قلل رئيس الوزراء نيكول باشينيان من أهمية الاعتراف الخارجي. وقال بلهجة صارمة: “تصريح نتنياهو لا علاقة له بجمهورية أرمينيا أو بمصالح الشعب الأرمني”. وأضاف متسائلاً: “هل نريد أن يصبح الاعتراف بالإبادة ورقة مساومة جيوسياسية في يد الآخرين؟ هل نريد أن تُذكر تضحيات شهدائنا عرضاً في مقابلة صحفية؟”. وأكد أن أرمينيا يجب أن تركز على مصالحها الوطنية لا على بيانات الآخرين. وأردف قائلاً: “لقد اعترفت دول عديدة بالإبادة الأرمنية، لكن ماذا جَنَينا من ذلك؟ هل هدفنا أن يستخدم الآخرون شهداءنا كأدوات سياسية؟”.
لطالما شدّد باشينيان على أن الاعتراف بالإبادة الأرمنية ليس أولوية دبلوماسية قصوى، ولا ينبغي أن يقود السياسة الخارجية لأرمينيا. حتى أن حكومته أعلنت “يوم إحياء ذكرى ضحايا جميع الإبادات” ليشمل السياق الأوسع للفظائع الجماعية.
في العموم، ابتعدت القيادة الأرمنية عن حملات الاعتراف، معتبرة أن الخطاب حول الإبادة منح قيمة رمزية لكنه لم يقدم مكاسب ملموسة. وأكد باشينيان أن بعض القادة الذين يعترفون بالإبادة يفعلون ذلك بدوافع داخلية أو انتخابية، لا بدافع خدمة مصالح أرمينيا. هذه التصريحات أثارت انتقادات من أكاديميين وناشطين يعتبرون أن الاعتراف مسألة تتعلق بالوضوح الأخلاقي.
على الصعيد الإقليمي، اتجهت أرمينيا نحو السلام. ففي آب/أغسطس 2025، وقع باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف معاهدة سلام برعاية أميركية، أنهت عقوداً من الصراع حول ناغورنو كاراباخ. وأقيم الحفل في البيت الأبيض بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قال مازحاً: “لقد حاربوا 35 عاماً، والآن أصبحوا أصدقاء”.
تنص الاتفاقية على ممر تجاري إستراتيجي عبر أرمينيا لربط أذربيجان بإقليم ناخيتشيفان. وقد رحبت تركيا بالاتفاق وقالت إنها ستستأنف علاقاتها الدبلوماسية مع يريفان بمجرد أن تبرم أرمينيا المعاهدة مع باكو. وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد وعد بدعم عملية السلام، بل أعلن مع باشينيان في حزيران/يونيو 2025 خططاً لإعادة فتح الحدود المغلقة منذ عام 1993 واستئناف الحوار المباشر.
بهذا، استطاعت أرمينيا تثبيت تفاهمات مع جيرانها، فيما يرى بعض قادتها أن إثارة قضية الإبادة قد تهدد هذه الإنجازات. وغالباً ما حذر باشينيان من “عقلية الضحية الجماعية” التي قد تثير أنقرة أو تعرقل التقدم الاقتصادي.
من الاعتراف إلى النتائج العملية
المفارقة أن شكوك باشينيان بشأن قيمة الاعتراف تتقاطع مع مواقف بعض الناشطين الذين يرون أن الكلمات وحدها لا تكفي. الاعتراف الحقيقي يجب أن يُترجم إلى خطوات ملموسة:
التخليد والتعليم. على الدول أن تكرم ضحايا السريان (الآراميين–الآشوريين–الكلدان) عبر تمويل متاحف ونصب تذكارية وإدراج القصة في المناهج. وقد اقترح نواب في أرمينيا ودول أخرى اعتماد يوم 7 آب/أغسطس يوماً لإحياء ذكرى السيفو.
الخطوات القانونية والتعويضية. يمكن أن يفتح الاعتراف الباب أمام العدالة. ففي عام 2010، سمحت محكمة استئناف أميركية لأحفاد ضحايا الإبادة الأرمنية بمقاضاة شركات تأمين. وبالمثل، قد يمهّد اعتراف تركيا مستقبلاً لمطالبات سريانية (اشورية-آرامية-كلدانية) بالتعويض أو استعادة الممتلكات.
الضغط الدبلوماسي. الاعتراف البرلماني يجب أن يترافق مع مطالب لتركيا بفتح الأرشيفات، والاعتذار، وتقديم توضيحات. فاعتراف دول مثل إسرائيل أو فرنسا ينبغي أن يكون مدخلاً للمساءلة لا مجرد ورقة سياسية.
تحسين أوضاع الأقليات. الاعتراف يمكن أن يقوي وضع السريان الباقين في تركيا. فلو اعترفت أنقرة بالسيفو، لكان بإمكانها دعم مدارس اللغة السريانية أو حماية الكنائس التاريخية.
يرى السريان (الآراميون–الآشوريون–الكلدان) أن الاعتراف ليس مجرد قضية سياسية، بل واجب أخلاقي. فهم يعتبرون ذكرى السيفو ركناً أساسياً من هويتهم، ويؤكدون أن الاعتراف العالمي يعيد إليهم شيئاً من العدالة الروحية. الكنائس السريانية والآشورية تقيم صلوات سنوية للضحايا، وكل اعتراف جديد من برلمان أو مجلس محلي يعد بمثابة “إثبات للذاكرة”. كما قال أحد الناشطين: “الاعتراف يعني أننا لم نُقتل مرتين”.
منذ 1915 وحتى اليوم، انتقلت إبادة السيفو من النسيان إلى اعتراف متزايد، وإن كان جزئياً. وقد مثل تصريح نتنياهو عام 2025 محطة جديدة، حتى مع تحفظ القيادة الأرمنية. لكن الناشطين السريان يحذرون من أن الاعتراف لا يجب أن يتحول إلى هامش في السياسة، بل إلى أداة لتحقيق العدالة.
فالاعتراف بالسيفو، في نظرهم، هو في آن واحد واجب أخلاقي وأساس للمصالحة الحقيقية. وهم يطالبون بأن يكون هذا الاعتراف أكثر من مجرد تصريحات إعلامية، بل نقطة انطلاق نحو عدالة عملية تشمل التعويض، التخليد، والتعليم، وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم.
الرقة تحتضن المؤتمر الثالث لشباب سوريا الديموقراطية: نحو التغيير وتحقيق الوحدة
الرقة – انعقد صباح اليوم في محافظة الرقة المؤتمر الثالث لشباب سوريا الديموقراطية بمشاركة و…