06/05/2025

في لبنان، فصل جديد يبدأ في قلب طور لفنن المسيحي

بعد تأجيل دام ما يقرب من عقد من الزمن، وسط أجواء مشحونة بالتوقعات والأمل الحذر، شهد لبنان أخيرًا انتخابات بلدية طال انتظارها في مايو 2025. وفي قلب هذا الحدث، توجه الناخبون في طور لفنن (جبل لبنان)المعقل السرياني المسيحي الماروني—إلى صناديق الاقتراع لإعادة تشكيل المشهد السياسي المحلي. بنسبة مشاركة تجاوزت 45% في البلديات الرئيسية، أصبحت هذه الانتخابات شهادة حية على إصرار المواطنين على استعادة الحكم الرشيد والمطالبة بالمساءلة في بلد يسعى للخروج من أزمته الطويلة.   

أظهرت النتائج الأولية مزيجًا من الاستقرار والتغيير. ففي البلديات التي تشكل الركائز الأساسية لتراث طور لفنن (جبل لبنان) —مثل جونية، جبيل، بيت الدين، وبعض المناطق في قضاء المتن—حققت لوائح “التنمية والوفاء” انتصارات كبيرة. ففي جبيل، على سبيل المثال، تمكنت لوائح القوات اللبنانية من تحقيق فوز واضح، مما يعكس توجهًا شعبيًا واسعًا نحو الإصلاح وكسر حالة الجمود السياسي الممتدة لعقود.   

على مستوى المناطق، شهدت البلدات في قضاء بعبدا (مثل حارة حريك والغُبيري) فوز مرشحين مدعومين من التحالفات التقليدية، فيما حافظت اللوائح المدعومة من التيار الوطني الحر على مواقعها في الحدث، سوق الغرب، كحالة، ووادي الست. وتُظهر هذه النتائج أن التحالفات المحلية بدأت تتبلور حول رؤية جديدة للناخبين المسيحيين.   

جدول نتائج البلديات

سارع القادة السياسيون إلى التعليق على النتائج التاريخية. حيث صرّح رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، بأن “هذه الانتخابات تمثل دليلاً قوياً على تصميم الشعب على إنهاء الفساد والإدارة السيئة.” وأضاف جعجع أن التغيير الحاصل في المدن الرئيسية، حيث ملّ المواطنون من المحسوبيات وسوء الإدارة، يشير إلى نقطة تحول في المشهد السياسي اللبناني.   

من جهته، شدد رئيس حزب الكتائب، سامي الجميّل على أن الانتخابات البلدية ليست مجرد مناسبة احتفالية، بل هي الركيزة الأساسية لاستعادة المسار الديمقراطي، قائلاً: “هذه الانتخابات المحلية تشكل الأساس الذي يجب أن تبنى عليه الإصلاحات السياسية والمؤسساتية.”   

أما في السياق المتعلق بالهوية، فقد عكست الانتخابات معركة تتجاوز السياسة. رئيس حزب الاتحاد السرياني، إبراهيم مراد خاطب أنصاره بحماسة، مؤكداً أن “لائحتنا تهدف إلى الحفاظ على جذورنا وضمان مكانتنا المستحقة.” وأضاف مراد أن النضال في هذه الانتخابات ليس مجرد تنافس سياسي، بل هو معركة للحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي الذي يمتد لقرون.   

بينما اشتدت المنافسات الحزبية، شكّلت تدخلات القيادة السياسية نقطة توازن في هذا المشهد المحتدم. فقد قام الرئيس السرياني الماروني جوزيف عون، بجولات تفقدية على مراكز الاقتراع لمراقبة أنظمة التدقيق الإلكتروني وضمان نزاهة الانتخابات. وأكد في تصريح له أن “صندوق الاقتراع ليس مجرد رمز، بل هو وسيلة لتجديد عهدنا الجماعي بالديمقراطية.”

لم تكن نتائج التيار الوطني الحر أقل أهمية، حيث أكد النائب جبران باسيل في مؤتمر صحفي أن التيار شارك في جميع مناطق جبل لبنان، مشددًا على أن “حتى في المدن التي خسرناها، كان هدفنا هو تأكيد وجودنا.” هذا التصريح يؤكد أن استراتيجية التيار تعتمد على ترسيخ الوجود السياسي بدلاً من السعي وراء انتصارات سريعة.   

ومع استمرار التدقيق في النتائج النهائية، يُظهر المشهد السياسي توازناً جديداً في توزيع القوى. وفقًا للتحليلات الأولية، نجح التحالف بين القوات اللبنانية والكتائب في تحقيق غالبية المقاعد في عدة بلديات رئيسية، مما يعزز كفة الأحزاب المسيحية التقليدية، بينما لا تزال هناك مساحة للجهات الصاعدة التي تسعى لإدخال إصلاحات جذرية في الحكم المحلي.   

مستقبل طور لفنن السياسي 

في طور لفنن (جبل لبنان) ، حيث تلتقي التقاليد العريقة للطائفة المارونية السريانية مع الدفع المستمر نحو الإصلاح السياسي، تبدو هذه الانتخابات أكثر من مجرد عملية تنظيم إداري. بل إنها إعلان عن مرحلة جديدة في المسار الديمقراطي اللبناني. ومع تفويض واضح للتغيير والتزام متجدد بالشفافية والمساءلة، بعث الناخبون برسالة قوية مفادها أن الوقت قد حان للإصلاح، وأن الحفاظ على الهوية الثقافية يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع تقدم الديمقراطية.   

وفي ظل استعداد القادة السياسيين لصياغة تحالفات جديدة ووضع جداول زمنية للإصلاحات القادمة، تتجه أنظار لبنان—بل والمجتمع الدولي—نحو طور لفنن (جبل لبنان وسط آمال بأن تقدم المنطقة نموذجًا جديدًا للحكم المحلي يعزز التقاليد اللبنانية العريقة، بينما يمهد الطريق نحو مستقبل مستقر ومزدهر.    

‫شاهد أيضًا‬

وقفة احتجاجية في مدينة تل تمر تنديداً بالتفجير الإرهابي في كنيسة مار الياس

تل تمر- شمال وشرق سوريا- في مشهد يعكس وحد الموقف الوطني وتضامن مختلف مكونات المجتمع السوري…