صوت الشتات: الاتحاد السرياني الأوروبي يحيي واحد وعشرين عاماً من التضامن السرياني
بروكسل – 16 أيار 2025 – في اليوم التالي لذكرى تأسيسه الحادية والعشرين، أجرى الاتحاد السرياني الأوروبي لقاءً مع وكالة سيرياك برس، تحدث خلاله الرئيس المشارك فهمي فرغلي بنبرة يغلب عليها الفخر والوضوح، مستعرضاً أكثر من عقدين من النضال، والوحدة، والصمود في خدمة الشعب السرياني في أوروبا وخارجها.
منذ تأسيسه في الخامس عشر من أيار لعام ألفين وأربعة، كان هدف الاتحاد واضحاً، كما أكد فرغلي: “أن نكون صوت شعب طالما فُرِّق بينه بسبب الأسماء والعقائد، وأن ندافع عن حقوقه الديمقراطية على الساحة الدولية”. وأضاف: “بدأنا بهدف بسيط لكنه طموح، وهو تعزيز تمثيل المجتمع السرياني في أوروبا، وترسيخ التضامن بين الشتات المتناثر، وحماية تراثنا الثقافي ككنز مشترك”. وعلى مدار واحد وعشرين عاماً، تُرجم هذا الطموح إلى اعتراف عشر دول بمجازر سيفو، وتقديم تقارير سنوية حول حقوق الإنسان إلى المفوضية الأوروبية، وبناء علاقات قوية مع حكومات من ستوكهولم إلى ستراسبورغ.
مسيرة وحدة واعتراف
عند سؤاله عمّا إذا كان الاتحاد قد حقق أهدافه التأسيسية، أجاب فرغلي بصراحة: “لقد أحرزنا تقدماً كبيراً، لكن الطريق لا يزال طويلاً”. وأشار إلى أن الانقسامات القديمة بين الهويات السريانية والآشورية والكلدانية والآرامية والمارونية كانت عميقة، وأضعفت وحدة الصف والتأثير السياسي. وقال: “حتى داخل الأسرة الواحدة، كانت هناك خطوط فاصلة. لكن من خلال المنتديات الثقافية، والبعثات الدبلوماسية، والتجمعات الشعبية، تعاملنا مع كل كنيسة وكل طائفة كجزء أصيل من غنانا التاريخي“.
وقد ساعد عمل الاتحاد في إعادة صياغة الهوية كمصدر قوة لا كعائق. من خلال الترويج لهوية سريانية شاملة تضم جميع فروع الشعوب المسيحية الناطقة بالآرامية، استطاع الاتحاد غرس شعور بالإرث المشترك بين مجتمعات كانت تعمل سابقاً بشكل منفصل أو حتى في تنافس. وأضاف: “لقد حصلنا تدريجياً ليس فقط على مقعد في البرلمانات الأوروبية والمحافل الدولية، بل أيضاً على وحدة أعمق بيننا“.
وأكد أن السعي من أجل الاعتراف بمجازر سيفو عام ألف وتسعمائة وخمسة عشر لا يزال “جرحنا الجماعي”، وهو ما يوحد الشتات بأكمله. واليوم، تعترف أكثر من اثنتي عشرة دولة، من بينها بلجيكا وألمانيا وفرنسا وهولندا والسويد، رسمياً بتلك الفظائع. وأضاف: “شُيّدت النُصُب، نُشرت الكتب، وعُقدت المؤتمرات. أولئك الذين أنكروا تاريخنا، باتوا مضطرين لمواجهة الحقيقة“.
منصة غير حزبية تقودها المساواة
لقد صُمّم هيكل الاتحاد ليضمن الاستمرارية والمصداقية، إذ تم تسجيله كمنظمة غير حكومية بدلاً من حزب سياسي، مما مكنه من الحفاظ على حياده وتركيزه على القضايا الحقوقية – وهو أمر بالغ الأهمية في شتات غالباً ما تمزقه الانقسامات السياسية والدينية. وبفضل موقعه في بروكسل وطابعه غير الحزبي، يتمكن الاتحاد من التواصل المباشر مع المؤسسات الأوروبية دون التورط في حسابات انتخابية.
ويُعد نموذج الرئاسة المشتركة أحد أبرز سمات الاتحاد، حيث تُقاسَم القيادة دائماً بين رجل وامرأة. وقال فرغلي: “منذ اليوم الأول، وضعنا هذا المبدأ. لم يكن مجرد رمز، بل يعكس إيماننا بأن النضال من أجل حقوق شعبنا يجب أن يشمل أيضاً النضال من أجل المساواة داخله“.
وتقود الرئيسة المشاركة الحالية، مانويلا ديمير، جهود الاتحاد في مجالات الثقافة وتمكين الشباب، وهي ناشطة معروفة في الدفاع عن تمثيل النساء وتعزيز التعليم. ويُدير الثنائي فريقاً صغيراً في بروكسل مسؤولاً عن كتابة السياسات، والضغط على مستوى الاتحاد الأوروبي، وإحياء المناسبات السنوية، وتنظيم المؤتمرات العامة كل عامين – والمقرر أن يُعقد المؤتمر القادم في عام ألفين وستة وعشرين. وتعمل ديمير أيضاً على إطلاق برنامج جديد يهدف إلى بناء قدرات القيادة لدى الشباب السرياني في الشتات، لا سيما النساء، لتولي أدوار ريادية في مجال المناصرة خلال العقد المقبل.

من تقارير حقوق الإنسان إلى الدفاع الإقليمي
يُقدّم الاتحاد سنوياً تقريراً موثقاً إلى المفوضية الأوروبية بشأن أوضاع حقوق الإنسان في تركيا، يتناول قضايا مثل مصادرة الأراضي، وجرائم الكراهية، وجرائم القتل غير المحلولة (التي تعرف في تركيا باسم “فايلي مجهول”)، وأشهرها اغتيال الزوجين ديريل. ويُعدّ هذا التقرير، الذي يُنجز بالتعاون مع منظمات غير حكومية محلية، وباحثين ميدانيين، وخبراء قانونيين، بمثابة مقياس لتدهور الحقوق، ونداء عاجل للتحرك.
واعترف فرغلي بأن العمل الدبلوماسي يحمل في طياته الكثير من الإحباط. وقال: “بروكسل تستمع، لكنها لا تتحرك دائماً. فالواقع الجيوسياسي – من شراكات الناتو إلى اتفاقيات اللاجئين – يؤخر قضيتنا. ومع ذلك، نواصل الضغط، لأن شعبنا لا يستطيع الانتظار“.
ولا يقتصر نشاط الاتحاد على تركيا فقط، بل يمتد إلى لبنان والعراق وسوريا. ففي بيروت، دعم الاتحاد إطلاق “الجبهة المسيحية”، وهي مبادرة عابرة للطوائف تهدف إلى ضمان الحضور السياسي للمسيحيين في ظل التحولات الديموغرافية. أما في العراق، فيواصل الاتحاد جهوده للمطالبة بالحكم الذاتي الإداري وحماية أراضي المسيحيين في سهل نينوى، حيث ما يزال الآلاف من الكلدان والسريان والآشوريين في حالة نزوح. وفي سوريا، يحافظ الاتحاد على التواصل مع مجالس مشرقية ناشئة تحاول إرساء نماذج حكم تعددي في مناطق ما بعد الصراع.
وقال فرغلي: “هذه ساحات معقدة، لكن دون تواصل ومشاركة، تبقى مجتمعاتنا بلا صوت. نحن لا نصطف مع طرف في الحروب – نحن نقف إلى جانب المدنيين“.
نهضة ثقافية وصمود رقمي
يظل الحفاظ على التراث الثقافي في صلب رؤية الاتحاد. وبفضل شبكاته في الشتات، تُدرَّس الآن اللغة السريانية الكلاسيكية في مدارس باريس وستوكهولم، في جهد حيوي لإحياء لغة كادت تُنسى. وفي برلين، أتاح التعاون مع قناة محلية بث برامج إخبارية باللغة السريانية أسبوعياً، ما يساعد الأجيال الجديدة على إعادة التواصل مع جذورها اللغوية.
وقال فرغلي: “اللغة ليست أداة تواصل فقط، بل وعاء للذاكرة. وإذا فقدنا لغتنا الأم، فقدنا ذواتنا“.
كما ينظم الاتحاد مخيمات شبابية موسمية، ومسابقات لغوية، ومبادرة أرشيف رقمي لجمع الروايات الشفوية من كبار السن في الشتات الذين هربوا من الإبادة والتمييز والحروب. وقالت الرئيسة المشاركة مانويلا ديمير في إحدى الحملات الأخيرة: “هذه القصص هي ميراثنا. يجب أن نحفظها قبل أن تندثر“.
نحو المستقبل: الإرث والمسؤولية
وفي ختام المقابلة، أصبح فرغلي أكثر تأملاً. فقد وجّه تحية إلى الرئيس المؤسس إسكندر ألبتكين، الذي توفي في الثامن عشر من أيار عام ألفين وعشرة. وقال: “اسمه منقوش في كل حجر بنيناه. وتضحياته هي وقود التزامنا“.
كما عبّر عن امتنانه للناشطين والمتطوعين والداعمين الذين بذلوا “الجهد والعرق” في سبيل هذا الاتحاد على مدار عقدين. وأضاف: “بعضهم كانوا أطفالاً عند البداية. واليوم، هم من يقودون مبادراتنا الجديدة“.
وبينما يستعد الاتحاد السرياني الأوروبي لعقد مؤتمره التاسع عام ألفين وستة وعشرين، لمح فرغلي إلى إعلانات مهمة مرتقبة، منها توسيع التمويل الثقافي، وإطلاق شبكة رقمية شاملة للشباب السرياني في أوروبا، وتجديد حملات الاعتراف بمجازر سيفو على مستوى الأمم المتحدة.
وختم بالقول: “في واحد وعشرين عاماً، بنينا منصة يتحدث منها المجتمع السرياني بصوت واحد. وفي السنوات المقبلة، سيزداد هذا الصوت قوة ووضوحاً“.
أمريكا تدخل الحرب بقصف المنشآت النووية الإيرانية وطهران تتوعد بالرد
واشنطن – أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الهجمات الأمريكية قضت على منشآت إيران …