‫‫‫‏‫4 أسابيع مضت‬

يوسف أيدين يقود الوفد السويدي في مسعى لتأمين مستقبل المسيحيين اللبنانيين

معراب، لبنان وصل وفد من نواب حزب “المسيحيين الديمقراطيين” السويدي، إلى مهد الموارنة الأسبوع الماضي، في خطوة بارزة لدعم المجتمع المسيحي اللبناني المتعثّر دوليًا. قاد الزيارة النائب السوري الآشوري في البرلمان السويدي يوسف أيدين، يرافقه زملاؤه ماغنوس جاكوبسون وماغنوس بيرنتسون، بعد تبلور علاقات رُسِمت خلال مؤتمر انعقد في بودابست في 4 مارس الماضي، حيث أثار السيّد أيدين مخاوفه بشأن مصير المسيحيين اللبنانيين بعد لقائه زعماء الكنيسة ومدافعين عن الفيدرالية من بيروت. 

في غرفة الاستقبال المشرقة داخل كنيسة مار إيليان، اجتمع الوفد السويدي—الذي يختصّ كلّ عضو فيه بشؤون الأقليات المسيحية أو السياسة الخارجية أو الحكم المحلي داخل حزبه—مع زعيم “القوّات اللبنانية” سمير جعجع. وتركّز النقاش على “نموذج شامل يعكس تعددية لبنان”، وفق ما قال جاكوبسون. وخلال تسعين دقيقة من الحوار، استعرضوا كيف يمكن لنظام الحكم اللامركزي الراسخ في السويد أن يقدّم إضاءات تعين لبنان في نقاشه المستمر حول الانتقال إلى دستور فدرالي.



وقال أيدين للصحافيين بعد الاجتماع: “ما يحدث في الشرق الأوسط يؤثر في أوروبا. لا تزال لبنان تمثل منارة أمل إذا بقي المسيحيون هنا في وطنهم. بإمكان السويد تقديم المساعدة لدعم الإدارات المحلية، والتعليم، وخلق فرص العمل لضمان ازدهار التنوع اللبناني.” 

وردّد جعجع، الذي تنشط “القوّات” منذ الحرب الأهلية كصوت بارز للدفاع عن الحقوق المسيحية، أنّ “الأمن، والفرصة، والتمثيل” تعدّ ركائز أساسية لوقف نزوح السكان المسيحيين الذين كانوا تاريخيًا يشكّلون قوة مؤثرة في لبنان. 

من بودابست إلى بيروت 

قبل شهرين من زيارة الوفد إلى مِعراب، شارك يوسف أيدين في بودابست في “المؤتمر الدولي: مستقبل لبنان من منظور مسيحي”، الذي حضره أكثر من 300 من رجال الدين والسياسيين والمدافعين عن الفيدرالية. استضافته وزارة الخارجية الهنغارية، وجاء المؤتمر ليُكمّل الجلسة التأسيسية التي عُقِدت في 1 مارس، حيث ندّد ألفريد رياشي، الأمين العام للمؤتمر الدائم للفدرالية في لبنان، بسياسات ما بعد اتفاق الطائف واعتبرها “إبادةً ثقافية جماعية” بحق المسيحيين اللبنانيين. 

في منتدى 1 مارس، كشفت الحكومة الهنغارية عن مقترح صندوق دعم بقيمة 200 مليون دولار، مدعوم من جهات مانحة وطنية ودولية، بهدف تعزيز مؤسسات المجتمع المسيحي اللبناني. رُصِدَت هذه الأموال لتمويل التدريب المهني في قرى جبل لبنان، واستعادة الكنائس والأديرة القديمة، ودعم العيادات في المناطق ذات الغالبية المسيحية. وقال وزير الخارجية بيتر سيارتو: “هنغاريا تقف إلى جانب المسيحيين اللبنانيين”، وأكّد أن إدارة الصندوق ستتولّاها هيئة تضمّ ممثلين من الأحزاب المسيحية اللبنانية وشركاء دوليين. 

ومع ذلك، حذّر رياشي من أنّ المساعدات المالية وحدها لن تكفي ما لم يقترن ذلك بإصلاح دستوري. وذكر عدة مظالم نشأت عن اتفاق الطائف عام 1989، منها قوانين تمنح الجنسية لأكثر من 250 ألف أسرة غير لبنانية، وتعديلات انتخابية قلّلت من تمثيل المسيحيين في البرلمان، وإعادة تعريف لبنان قانونيًا كدولة “عربية” مما وصفه بـ”محاولة طمس ثقافي”. 

صوت الفيدرالية 

ثلاثة أيام بعد ذلك، في 4 مارس، انفتح المؤتمر في بودابست على عمق أكبر لمناقشة تلك القضايا. وبسبب وعكة صحية بسيطة، لم يتمكّن بطريرك السريان الموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من الحضور شخصيًا، فوكل إيصال رسالته إلى المطران بول صياح. وقال نصّ كلمته: “لبنان أكثر من كيان سياسي؛ إنه رسالة للتعايش. إن قربنا من صراعات سوريا وفلسطين وإسرائيل أدّى إلى هجرة الكثير من شبابنا المسيحي. يجب أن يثمر هذا المؤتمر برامج عملية—منها مبادرات خلق فرص العمل والفرص التعليمية والحفاظ على التراث الثقافي—حتى يبقى المسيحيون في ديارهم.” 

وفي جلسة مخصّصة للإصلاح الدستوري، عرض المدافع الفيدرالي إياد بستاني من حركة “فدرالية لبنان” مسارًا تاريخيًا بدأ برعاية السلالة الهابسبورغية الدستورية الأولى للبنان عام 1861 وصولاً إلى الدستور المركزي لعام 1926، الذي اعتبره “خانقًا للأقليات”. 

المسيحيون اللبنانيون يحتضرون” ، حذّر بستاني. “خلال عشرين عامًا، قد تفنى تراثنا—6000 عام من حضارة فينيقية، و2000 عام من المسيحية، و1600 عام من التاريخ السرياني الماروني. لا يمكن المحافظة على هويتنا إلا بدستور فدرالي يمنح كل مكوّن حقّ إدارة شؤونه. ولا بدّ أن يُرتبط الصندوق الهنغاري بأهداف سياسية لا يقتصر على العطاء الخيري فقط. المسيحيون بحاجة إلى مشروع واضح؛ من دون ذلك، ستتلاشى حقيقتنا من التاريخ.” 

من جانبه، أعرب أمين إسكندر، ممثل حزب الاتحاد السرياني العالمي، عن معاناة المسيحيين اللبنانيين من التهميش النظامي منذ تأسيس الدولة الحديثة. وتحدّث عن نتائج اتفاق الطائف عام 1989 الذي أقرّ هوية لبنان “عربية” وخفّض من الحضور السياسي للمسيحيين. وللتصدّي للهندسة السكانية—کما أشار إلى تجنيس غير اللبنانيين واستقرار اللاجئين—دعا إسكندر إلى “الفيدرالية الجغرافية الثقافية”، أي نظام يمنح الأقاليم حقّ الحكم الذاتي لحماية التنوع اللغوي والديني والتاريخي. وقال: “إذا احترمنا التنوع، سنتمكّن من مواجهة الضغوط الخارجية التي تهدف إلى إذابة هويتنا”. 

لبنان منارة التعايش 

عبّر أيدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن رسالته بوضوح: “لبنان حيوي لاستقرار المنطقة. وجود مسيحي قوي ومتمكّن سياسيًا ضروري للحفاظ على التوازن. علينا وضع استراتيجية سويدية جديدة تدعم حرية الدين وحقوق الأقليات—وخاصة المسيحيين الذين يواجهون الاضطهاد في الشرق الأوسط.” 

وأشاد أيدين بلقاءاته مع النواب اللبنانيين وزعماء الكنائس وممثلي المجتمع المدني، مشيرًا بإعجاب إلى “آلية الدعم طويلة الأمد” التي شكلها المبعوث الخاص للكنائس المضطهدة، ترستان أزبي. وقال: “هذا ليس عملًا خيريًا بحتًا. إنه استثمار في التعددية والسلام والحفاظ على تراث عمره 6000 عام.” 

نموذج التعايش 

بعد شهرين، صدحت كلمات أيدين صدىً في معراب عندما اجتمع الوفد السويدي مع جعجع في مقرّه على تلال بيروت. وقال ماغنوس جاكوبسون، المسؤول عن الشؤون الخارجية في حزبه، إن “تجربة السويد في تطبيق الحكم اللامركزي تشكّل نموذجًا يحتذى في لبنان. إذا تمكنت كلّ منطقة من إدارة مدارسها وخدماتها الصحية والأمنية ضمن إطار وطني موحد، تستطيع كل المجتمعات—مسيحية ومسلمة ودروز—الاستفادة المتساوية من موارد الدولة مع الحفاظ على هوياتها المتميّزة.” 

بدوره أكد جعجع أن “القوّات اللبنانية” تراهن على اللامركزية كحلّ للتوترات الطائفية. وقال: “نسعى إلى لبنان يمكن فيه للسريان والموارنة والأرثوذكس والشيعة والسنة والدروز أن يحكموا شؤونهم المحليّة دون خوف من التهميش. تجربة السويد تبث فينا الأمل بأن الفيدرالية لا تعني التفكّك، بل تعني دولة أقوى وأكثر تمثيلًا للجميع.” 

أضاف ماغنوس بيرنتسون، المشرف على العلاقات الخارجية في حزبه، أن “لأوروبا مصلحة في الحفاظ على نموذج لبنان المتعدّد. فشل لبنان أو عدم استقراره ينعكس في دول حوض البحر المتوسط من اليونان إلى مالطا.” واستدرك: “يمكن للتعاون في مجال التبادل التعليمي وتدريب الحكومات المحلية أن يكونا محركين أساسيين لتوطيد الشراكة السويدية اللبنانية.” 

مستقبل هشّ 

لمئات السنين، شكّل المسيحيون اللبنانيون نسبة تقارب النصف من السكان، غير أن أعدادهم تقلصت إلى أقلّ من ثلث السكان اليوم، بفعل الانهيار السياسي والانكماش الاقتصادي وفراغ الأمان. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من نصف اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، ويحذّر البنك الدولي من مزيدٍ من التراجع السكاني إذا استمرّت موجات الهجرة بلا كوابح. تمثّل منحة 200 مليون دولار الهنغارية وجهود البرلمان السويدي أهم تعبئة دولية لدعم المسيحيين اللبنانيين في الذاكرة المعاصرة. ومع ذلك، يحذّر المدافعون عن الفيدرالية من أن المساعدات المادية وحدها قد لا تكفي لوقف نزيف الأدمغة والتآكل الديموغرافي ما لم تقترن بإصلاح دستوري جذري. 

وفي ستوكهولم، عبّر أيدين عن شعور مشترك بالإلحاح: “المسيحيون اللبنانيون هم عمود البلاد الفقري منذ قرون—أداروا المدارس والمستشفيات والكنائس التي خدمَت جميع اللبنانيين. هجرتهم لا تعني فقط انطفاء مجتمع ديني، بل تعني فقدان المنطقة نموذجًا حيًا للتعايش. على أوروبا أن تقف إلى جانبهم الآن، قبل فوات الأوان.” 

غادر الوفد السويدي مِعراب الخميس الماضي بعد أن وضع تصورات مبدئية لمنح تعليمية وبرامج تدريب إداري محلي، ووقّع مذكرة تفاهم للتلاقي مجددًا في بيروت صيف هذا العام. لكن المسيحيين اللبنانيين—الذين قاوموا الحكم العثماني، وخاضوا حربًا أهلية دامية، وواجهوا موجات هجرة متلاحقة—يعيشون الشهور المقبلة في توجس، بانتظار ما إذا كانت التعهّدات الدولية ستترجم فعلاً إلى تغيير سياسي ملموس على أرض الوطن. 

‫شاهد أيضًا‬

الجبهة المسيحية في لبنان تدعو إلى احترام حق المغترب اللبناني بصناعة القرار الوطني

لبنان- عقدت الجبهة المسيحية في لبنان، اجتماعها الدوري في مقرّها في الأشرفية، وأصدرت خلاله …