هجوم مميت على كنيسة مار إلياس التاريخية أثناء القدّاس يسفر عن مقتل 22 شخصًا وإصابة العشرات
دارمسوق (دمشق) — هزّ تفجير انتحاري، يوم الأحد، كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس، إحدى أقدم وأهم المعالم المسيحية في حي دويلعة بالعاصمة دارمسوق (دمشق). وقع الانفجار خلال قدّاس بعد الظهر، وأدى إلى مقتل ما لا يقل عن 22 من المصلين، وإصابة العشرات، من بينهم نساء وأطفال.
وصف شهود عيان اللحظات المروعة عندما اقتحم مسلحٌ الكنيسة وهو يرتدي سترة ناسفة، حيث بدأ بإطلاق النار قبل أن يفجر نفسه. هزّ الانفجار جدران الكنيسة الحجرية العتيقة، وانتشرت الصرخات والغبار، وتبعثرت المقاعد والرموز الدينية على الأرض.
وصلت فرق الطوارئ إلى المكان خلال دقائق. وتم نقل الشهداء والجرحى إلى مستشفيات المواساة الجامعي والفرنسي والمجتهد، حيث بذل الطاقم الطبي جهودًا مكثفة لإنقاذ الأرواح وتقديم الرعاية للأهالي المفجوعين. ووضعت المستشفيات في حالة تأهب قصوى لتتمكن من التعامل مع التدفق المفاجئ للحالات الحرجة.
حداد وردود فعل
ألقى الهجوم بظلال من الحزن على سوريا، لا سيما على مجتمعاتها المسيحية التي عانت طويلاً من ويلات الحرب والتطرف. كنيسة مار إلياس، التي تحمل اسم النبي إيليا، ليست مجرد مكان عبادة، بل تمثل رمزًا لتعدديّة سوريا التي كانت مزدهرة. وستُقرع أجراس الكنائس في عموم البلاد بين الساعة 11:00 صباحًا و12:00 ظهرًا حدادًا على أرواح الشهداء.
وعقب الهجوم، تدفقت رسائل التضامن والاستنكار من مختلف الأطياف السياسية والدينية ومن مختلف الدول.
أصدرت وزارة الداخلية السورية بيانًا حمّلت فيه مسؤولية الهجوم لخلية نائمة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مؤكدةً أن التحقيقات جارية، وأن الجناة سينالون عقابهم.
أقدم انتحاري يتبع لتنظيم داعش الإرهابي على الدخول إلى كنيسة القديس مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق، حيث أطلق النار، ثم فجّر نفسه بواسطة سترة ناسفة.
— وزارة الداخلية السورية (@syrianmoi) June 22, 2025
بدورها، أدانت الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا الهجوم التفجير بعبارات قوية، ووصفته بأنه “عمل مظلم وجبان”، معربة عن تعازيها الحارة لأهالي الشهداء. وقالت في بيانها: “إن هذا الهجوم لم يستهدف فقط مكان عبادة، بل روح الحضارة السورية المتنوعة و المتجذرة في التاريخ.”
وفي السياق ذاته، وصف المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون التفجير، بأنه “جريمة شنيعة”، مؤكداً أن استهداف المدنيين في أماكن العبادة يُعد انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي. وجدد دعوته إلى ضرورة إيجاد حل سياسي عاجل للنزاع الذي لا يزال يُغذي التطرف والعنف.
.@GeirOPedersen condemns in the strongest possible terms the terrorist attack at St. Elias Church in Douileia, Damascus, which killed and injured civilians who were attending mass. He expresses his outrage at this heinous crime. https://t.co/uY7wwbRNr7
— UN Special Envoy for Syria (@UNEnvoySyria) June 22, 2025
دعوات للوحدة من منظمات سريانية ومسيحية
أدان المجلس الوطني المشرقي الهجوم، واعتبره انتهاكًا صارخًا لكرامة الإنسان وعدوانًا على قدسية المعابد، محملاً المسؤولية للجماعات الإرهابية وداعميها السياسيين والإقليميين والدوليين.
ودعا المجلس المجتمع الدولي إلى كسر صمته، محذرًا من أن التقاعس عن الرد يُعد تواطؤًا ضمنيًا في استمرار العنف ضد المسيحيين السوريين وسائر مكونات البلاد. وأكد المجلس في بيانه على ضرورة الوحدة والمقاومة، مجددًا التزامه ببناء سوريا حرة وشاملة تحترم التنوع وقدسية الأديان.
ويُعد المجلس الوطني المشرقي مبادرة جديدة تضم مجموعة من المسيحيين السوريين تسعى إلى إعادة بناء مستقبل سوريا، وتمثيل المسيحيين في الحياة السياسية والمدنية، والدفاع عن حقوقهم، والمساهمة في بناء دولة مواطنة تقوم على حياد الدولة تجاه الأعراق والثقافات والأديان.
فيديو من خارج كنيسة مار إلياس الأرثوذكسية اليونانية (الروم) عقب الهجوم الانتحاري | #عاجل #دمشق #سوريا #مسيحيون #روم #أرثوذكس #مار_إلياس pic.twitter.com/nPTXNKeJZb
— SyriacPress Arabic (@SyriacPressAr) June 22, 2025
كما أصدر الاتحاد السرياني الأوروبي (ESU) بيانًا عبّر فيه عن إدانته الشديدة للهجوم الإرهابي، واعتبر أن هذا العمل الوحشي ليس فقط اعتداءً مباشرًا على طائفة دينية، بل هو طعنة في ضمير الإنسانية جمعاء.
وقال البيان: “إن هذه الهجمات المتكررة ليست عشوائية، بل تأتي ضمن حملة ممنهجة تهدف إلى ترهيب واقتلاع المجتمع المسيحي في سوريا، في محاولة لمحو وجوده وهويته العريقة. وهو استمرار لنفس النمط الذي شهدناه سابقًا في العراق وسهل نينوى ومناطق أخرى.”
ودعا الاتحاد جميع المسيحيين في سوريا، وخاصة السريان، إلى تجاوز الخلافات العرقية والطائفية والوقوف معًا للدفاع عن حياتهم وحقوقهم وتراثهم المقدس. وأضاف: “لن نتمكن من مواجهة قوى الظلام والتعصب إلا من خلال موقف موحّد ومنظّم.”
لا جهة تتبنى الهجوم… والخوف يتصاعد
حتى لحظة النشر، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن التفجير، إلا أن الطريقة المستعملة والهدف المستهدف يتطابقان مع هجمات سابقة نُسبت إلى تنظيم داعش والشبكات المرتبطة به، والتي تسعى إلى تأجيج التوترات الطائفية.
ورغم أن العاصمة دارمسوق (دمشق) شهدت استقرارًا نسبيًا في السنوات الأخيرة، إلا أن الهجوم أعاد إشعال المخاوف من تجدد العنف الطائفي، خاصةً بين المجموعات الدينية التي لطالما كانت هدفًا لحملات المتطرفين.
تبقى كنيسة مار إلياس، رغم جدرانها المتصدعة ومذبحها الملطخ بالدماء والمطوّق بشريط أمني، رمزًا للأمل والصمود. بالنسبة لكثير من السوريين، لم يكن التفجير مجرد استهداف لمبنى، بل كان محاولة لاغتيال حلم هشّ بالتعايش لا يزال يراود ملايين الناس.
قال الأب يوحنا داوود، كاهن من رعية مجاورة وصل إلى موقع الانفجار بعد دقائق من وقوعه:
“ألمنا عميق، لكن إيماننا بالمحبة والسلام أعمق.”
أجهزة الأمن السورية تعلن عن اعتقال وقتل المسؤولين عن هجوم كنيسة مار إلياس
دارمسوق (دمشق) — أفادت أجهزة الاستخبارات السورية أنها فككت خلية تابعة لتنظيم الدولة الإسلا…