طريق سوريا نحو الانتقال: قمة باريس تمهد لمحادثات بين دمشق وقسد بينما تؤمن إسرائيل منطقة عازلة في الجنوب
باريس — في خضمّ نشاط دبلوماسي مكثف انطلق من باريس، أعلنت قوى عالمية وجهات إقليمية عن خطط اختراقية لمعالجة الانقسام الطويل الأمد في سوريا. التقى وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، بينما لعب المبعوث الأميركي الخاص توم باراك دوراً محورياً في التنسيق.
خارطة الدبلوماسية: قسد والحكومة السورية على طاولة المفاوضات
خلال اجتماع 25 يوليو، أكدت فرنسا والولايات المتحدة استعدادهما لاستضافة جلسة تفاوض في باريس بين قسد والحكومة السورية، بهدف تنفيذ اتفاق 10 آذار الموقع بين القائد العام لقسد مظلوم عبدي والرئيس أحمد الشرع، برعاية فرنسية-أميركية. وتهدف هذه المحادثات إلى دمج مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا ضمن الإطار السياسي السوري الناشئ، بما يضمن الحكم الذاتي المحلي، والحماية الدستورية، ومنح الأكراد حقوق المواطنة.
وخلال المحادثات، جدد المسؤولون الفرنسيون التزامهم بحل تفاوضي وسلمي، يشمل إقليم شمال وشرق سوريا في المرحلة الانتقالية، ويضمن وحدة الأراضي السورية—وهي رؤية تنسجم مع خطة السلام ذات النقاط الثمانية التي تروج لها فرنسا وشركاؤها الغربيون منذ آذار.
لكن لا تزال قضية حساسة تعرقل التقدم، إذ ترفض قسد، المدعومة من الولايات المتحدة، أي طرح لنزع سلاحها في ظل تصاعد التوترات الطائفية في البلاد، خاصة في منطقة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وقد ضم وفد باريس الرسمي ممثلين أكراد فقط، من دون مشاركة سريانية أو عربية، ما أثار تساؤلات حول شمولية العملية. فعلى الرغم من أن اتفاق 10 آذار تحدث عن “الأكراد وجميع المكونات الأخرى”، إلا أن غياب ممثلين عن العرب والسريان في وفد باريس أثار قلقاً في أوساط القوى السياسية في الشمال الشرقي. حزب الاتحاد السرياني، الذي يمثل الشعب السرياني (الآشوري-الكلداني-الآرامي)، انتقد علناً ما وصفه بنمط من التهميش المتكرر.
إسرائيل وسوريا والمنطقة العازلة في الجنوب
في اليوم نفسه، عقدت قمة موازية أكدت الخطوط الحمراء الاستراتيجية لإسرائيل في جنوب سوريا، وبشكل خاص في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء. وتوصل وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، ووزير الخارجية السوري الشيباني، والمبعوث الأميركي باراك إلى اتفاق بشأن إقامة منطقة عازلة، ونزع سلاح المدن، ومنع دخول قوات الحكومة السورية إلى القرى الدرزية في السويداء. ويهدف الاتفاق إلى إنشاء لجان أمنية مكونة من سكان محليين من دون أسلحة ثقيلة، تحت إشراف مراقبين أميركيين.
وتتضمن خطة السويداء على مرحلتين: أولاً، انسحاب القوات الحكومية والقبلية من القرى الدرزية، على أن يتم التحقق من قبل الفصائل المحلية؛ وثانياً، تشكيل مجالس محلية يديرها السكان لتقديم الخدمات وتوثيق الانتهاكات. كما يمنع الاتفاق دخول الجماعات المرتبطة بالحكومة السورية إلى المنطقة، لكنه يسمح للمنظمات الإنسانية الدولية بالدخول.
واعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن الاتفاق يمثل إنجازاً كبيراً، مؤكدين أن المطالب الأساسية لتل أبيب قد تم تحقيقها، وأن المجتمعات الدرزية في الجنوب السوري باتت محمية. غير أن بعض قادة الطائفة الدرزية—خصوصاً داخل إسرائيل—انتقدوا هذا الترتيب، معتبرين أنه تدخل سافر في شؤونهم الداخلية.
بين الوحدة والتجزئة
بينما تسعى سوريا إلى مسار نحو وحدة وطنية، تكشف المسارات الثنائية المنبثقة من باريس عن تحديات جوهرية:
إدماج قسد مقابل الحكم الذاتي الإقليمي
يصر مظلوم عبدي والمسؤولون الأكراد على أن نزع سلاح قسد خط أحمر، خاصة في ظل تصاعد العنف الطائفي في السويداء، والمخاوف المتزايدة من عودة تنظيم داعش الإرهابي.
في المقابل، تؤكد دمشق، ممثلة بالحكومة السورية، على حقها في توحيد البلاد تحت مؤسسات الدولة، وترفض أي شكل من أشكال اللامركزية لا يحترم السيادة الوطنية. وحذرت من أن الإبقاء على فصائل مسلحة أو المطالبة باستقلال ذاتي سياسي، سيقوض وحدة البلاد الوطنية.
غياب الأصوات السريانية والعربية عن المفاوضات المصيرية لا يؤدي فقط إلى تهميش مكونات رئيسية، بل يهدد أيضاً مشروعية التمثيل السياسي للمفاوضين. وإذا شعر أبناء هذه المكونات بأن العملية تحتكرها جهة واحدة، فقد تتعرض رؤية الحكم الديمقراطي التعددي للخطر.
الاستقرار الجنوبي مقابل المصالح الأمنية الإسرائيلية
غيّرت المطالب الإسرائيلية بنية الأمن المحلي في جنوب سوريا، حيث أُخليت القنيطرة ودرعا من السلاح، وشُكلت لجان محلية تحت إشراف أميركي لمنع تمدد نفوذ النظام السوري. ويعكس اتفاق السويداء أولويات إسرائيل بالتوازي مع الوساطة الغربية.
ورغم أن قمم باريس تعطي لمحة من الأمل بالاستقرار، إلا أن المسار السوري لا يزال يسير فوق جسر هش من الثقة:
أسفرت أعمال العنف في السويداء عن مقتل أكثر من 1200 شخص، وتدمير واسع للبنية التحتية. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار المعلن، لا تزال الاشتباكات مستمرة بين مقاتلين دروز وفصائل بدوية، مع تعطل خدمات المستشفيات والمدارس.
اقرأ أيضاً: أمير وأعيان من السويداء يطلقون نداء استغاثة عاجل للمجتمع الدولي
وتبقى الأوضاع الإنسانية كارثية، وسط دعوات متكررة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لإجراء تحقيقات مستقلة، وضمان حقوق المدنيين والمجموعات الأقلوية—في مهمة تعرقلها المصالح الأجنبية المتشابكة والحكم المجزأ.
وإذا ما تم عقد محادثات باريس بين قسد والحكومة السورية، فستكون أول حوار رفيع المستوى مباشر منذ آذار الماضي—لكن الخلافات الحادة حول السيطرة على السلاح، والهوية، ونموذج الحكم لا تزال قائمة.
تؤكد فرنسا والولايات المتحدة أن هذه المبادرات أساسية للانتقال السياسي السلمي في سوريا، لكن السؤال يبقى: هل تستطيع دمشق وقسد تجاوز خلافاتهما؟ وهل ستصمد الترتيبات الأمنية الإسرائيلية؟ الإجابة عن هذين السؤالين هي التي ستحدد ملامح مرحلة ما بعد الأسد.
وفد أمريكي رفيع المستوى يزور الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في دارمسوق (دمشق)
دارمسوق (دمشق) – في خطوة تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتطبيقها بهدف استكمال المشهد السو…