باراك يدعو إلى حكومة لامركزية في سوريا ويبعث الأمل لدى المكونات الأصيلة
دارمسوق (دمشق) – أثارت تصريحات السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، حول الحاجة إلى البحث عن بدائل للدولة المركزية الصارمة صدىً واسعاً في الأوساط المحلية. فقد رأت فيها مختلف المكونات الدينية والقومية في سوريا، وخصوصاً الشعب السرياني (الآشوري–الكلداني–الآرامي) الذي واجه عقوداً من التهميش والإنكار، اعترافاً بحقوقهم في الإدارة الذاتية وحماية هويتهم الثقافية.
وقال باراك للصحفيين الشهر الماضي: “ليست فيدرالية، بل نموذج أقل منها، لكنه يتيح للمجتمعات الأصلية الحفاظ على وجودها وثقافتها ولغتها، بعيداً عن أي تهديدات إسلاموية متطرفة.”
وتأتي هذه التصريحات بعد موجة عنف دموي في السويداء، ذات الغالبية الدرزية، أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص، في مشهد أعاد التذكير مجدداً بالفضائع التي يمكن أن تتعرض لها المكونات الأصيلة في سوريا.
Big change: Syria envoy Thomas Barrack appears to be moving closer to the SDF’s position, acknowledging after the bloodshed in Suwayda that alternatives to a highly centralized state should be considered. “Not a federation but something short of that, in which you allow everybody… pic.twitter.com/bG2Z7YSRAk
— Wladimir van Wilgenburg (@vvanwilgenburg) August 23, 2025
المركزية واللامركزية:
تعهد الرئيس أحمد الشرع، الذي تولى السلطة في كانون الأول 2024 بعد سقوط بشار الأسد، بتوحيد البلاد من خلال إعادة الإعمار وتعزيز سلطة الدولة المركزية. وقد حظي بدعم دول الخليج، فيما دعمت واشنطن هذا النهج حتى وقت قريب، إلا أن تصاعد الاحتجاجات والاضطرابات في مناطق يقطنها عدد كبير من المكونات الأصيلة كشف عن هشاشة هذا النهج.
ففي قرية عرنة الدرزية، تحدّث الأهالي لصحيفة واشنطن بوست عن مشاعر الخوف والعزلة. وعلى الساحل، يروي أفراد من العائلات العلوية لمراسل وكالتنا (سيرياك برس) عن المجازر التي ارتكبها مقاتلون مرتبطون بالحكومة نفسها. أما في شمال وشرق سوريا، فتتمسك الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا بخيار اللامركزية، بعد سنوات من إدارة المنطقة والدفاع عنها في وجه تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) عبر قوات سوريا الديمقراطية.
اقرأ أيضاً: مجازر الساحل تحت المجهر
انضمّ القادة السريان إلى هذا التوجه المتنامي. ففي الحسكة هذا الشهر، شارك ممثلو السريان (الآراميون – الكلدان – الآشوريون) في مؤتمر ضمّ المكونات الدينية والقومية، باعتبارهم جزءاً أساسياً من الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا. وأكد البيان الختامي للمؤتمر على خيار اللامركزية، بينما سارعت دارمسوق (دمشق) إلى رفض المؤتمر واعتبرته غير شرعي.
وفي الوقت نفسه، مضت الحكومة السورية قدماً عبر استبعاد دير الزور والرقة والحسكة (ضمن مناطق إقليم شمال وشرق سوريا)، إضافة إلى السويداء، من العملية الانتخابية البرلمانية بذريعة “الهواجس الأمنية”، وهو ما همّش فعلياً شرائح واسعة من الشعب السوري.
المسيحيون والسريان:
لا تنبع مخاوف السريان من فراغ. ففي هجوم تنظيم “داعش” الإرهابي بين عامي 2014 و2015، أُفرغت عشرات القرى السريانية–الآشورية في وادي نهر الخابور، ودُنّست كنائسها، وتعرض سكانها للاختطاف أو التهجير. وقد أجبرت هذه الأحداث آلاف العائلات على مغادرة البلاد إلى الخارج، مما سرّع من وتيرة نزوح استمر قرناً كاملاً، وخفّض حجم أحد أقدم المجتمعات المسيحية في المنطقة إلى جزء ضئيل لا يقارن بما كان عليه سابقاً.
بالنسبة للمسيحيين في سوريا والشعب السرياني (الآشوري–الكلداني–الآرامي)، المنتشرين في القرى والبلدات الممتدة من زالين (القامشلي) في الشمال الشرقي مروراً بضفاف نهر الخابور، وصولاً إلى وديان حموث (حمص) وصدد ووادي النصارى، وحولب (حلب) وحمتو (حماة)، والمدن والجبال الساحلية حتى دارمسوق (دمشق)، فقد حملت كلمات باراك صدى أعمق ومعنى يتجاوز مجرد التصريحات السياسية.
الاضطرابات التي شهدتها الأشهر الأخيرة — كثير منها على يد جماعات متشددة سنية، بعضها مرتبط بالحكومة السورية الحالية، وبعضها الآخر من بقايا تنظيم “داعش” الإرهابي الذي اجتاح سهل نينوى، أو تنظيم جبهة النصرة الإرهابي الذي هاجم قرى الخابور، وصولاً إلى العنف الأخير في السويداء ومناطق العلويين في الساحل — أكدت مجدداً هشاشة الوضع وإمكانية انزلاق المكونات السورية إلى أزمات وجودية بين لحظة وأخرى.
وبالنسبة لعدد كبير من السريان (الكلدان–الآشوريين–الآراميين)، فإن إصرار الرئيس السوري أحمد الشرع على حكومة مركزية قوية يعيد إلى الأذهان ذكريات مريرة من سياسات القومية العربية التي صادرت حقوقهم، وأغلقت مدارسهم، وأنكرت لغتهم السريانية (الآرامية)، وحاولت حصرهم في إطار الهوية “المسيحية” فقط.
وفي هذا السياق، كتب بسام إسحاق، رئيس المجلس الوطني السرياني في سوريا وعضو المجلس الرئاسي لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد) في واشنطن، دفاعاً عن مؤتمر “وحدة المكونات”، مؤكداً أن: “استقرار سوريا، ومنع عودتها إلى الاستبداد أو الانقسام، لن يتحقق إلا عبر نظام حكم لا مركزي حقيقي.”
تحول في الموقف:
تعكس تصريحات باراك تغيّراً واضحاً في نبرة واشنطن، إلا أن مسار الأحداث المستقبلية لايزال مجهولاً. فقد رفض الرئيس الشرع أي حديث عن تقسيم أو كانتونات واعتبره أمراً مستحيلاً، فيما تبقى المكونات الأصيلة منقسمة بين من يخشى الانقسام ومن يرى في اللامركزية الحل الأمثل لضمان حمايته.
ومع ذلك، يشعر السريان (الآشوريون–الكلدان–الآراميون) بإلحاح واضح لا يمكن تجاهله. وحتى الآن، تظل المكونات الأصغر في سوريا عالقة في وضع حرج — ممزقة بين وعود السلطة المركزية والحاجة الملحة للحكم الذاتي. وفي خضم هذا التوتر، يتشكل مستقبل السريان كما يتشكل مستقبل سوريا بأكملها.
باراك وأورتاغوس في إسرائيل لبحث الترتيبات الأمنية مع لبنان وسوريا
القدس – وصل المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا توم باراك، والمبعوثة الرئاسية الخاصة …