‫‫‫‏‫7 أيام مضت‬

الانتخابات البلدية اللبنانية 2025: مشهد طائفي يعكس تحولات في موازين القوى

بيروت في بلد لا يزال يعاني من تبعات الانهيار الاقتصادي والشلل السياسي والصراع مع إسرائيل خلال عامي 2023–2024، شكلت الانتخابات البلدية اللبنانية لعام 2025 نافذة نادرة لرصد التحولات في التوازنات الطائفية.

جرت الانتخابات على مدار أربعة أيام أحد خلال شهر أيار/مايو، وسط أجواء من انعدام الثقة العامة وانهيار البنية التحتية، مما عكس تمسكاً بالولاءات التقليدية إلى جانب بوادر تغيير في الساحتين الشيعية والمسيحية.


 


معاقل الشيعة: استقرار تحت الضغط

في جنوب لبنان، حيث لا تزال آثار الدمار واضحة والكهرباء متقطعة، جاءت النتائج متوقعة لكنها أيضا كانت كاشفة. فقد خاض حزب الله وحركة أمل الانتخابات بلوائح مشتركة، محققين انتصارات كاسحة في معظم البلديات ذات الأغلبية الشيعية، العديد منها دون منافسة تُذكر. هذا التفوق الانتخابي المستمر يعكس الدعم الشعبي العميق، خاصة في النبطية وصور وبنت جبيل.

قال النائب عن حزب الله، علي فياض، بعد الإدلاء بصوته في النبطية: “الجنوبيون يثبتون مجدداً أنهم مع خيار المقاومة”، في تصريحات تؤكد على أن الانتخابات تمثل تجديداً للتفويض السياسي والعسكري للحزب.

ومع ذلك، فإن هذا التفويض يواجه تحديات كبيرة، فقد قدر البنك الدولي تكلفة إعادة إعمار لبنان بعد الحرب بأكثر من 11 مليار دولار، وهو رقم ضخم لدولة تعاني من شح في الاحتياطيات الأجنبية وحكومة مركزية هشة. ولا يزال المانحون الغربيون مترددين في تقديم المساعدات دون إصلاحات ملموسة، خاصة فيما يتعلق بنزع السلاح والسيطرة الأمنية للدولة.



الساحة المسيحية: تشرذم وإعادة تموضع ومعركة جزين

بينما بدا المعسكر الشيعي موحداً، دخلت الأحزاب المسيحية الانتخابات وهي تعاني من انقسامات عميقة. فقد تعرض التيار الوطني الحر، الذي كان يهيمن سابقاً على الصوت المسيحي، لانتكاسات بسبب الانشقاقات الداخلية وتشكيل شخصيات بارزة لتجمعات مستقلة، مما كلف الحزب خسائر كبيرة، خاصة في جبل لبنان والشمال، حيث حققت اللوائح الإصلاحية والمدعومة من المعارضة تقدماً ملحوظاً.

استغلت القوات اللبنانية وحزب الكتائب هذه الفرصة. ففي قضاء البترون، وهو معقل تاريخي للتيار الوطني الحر، حقق تحالف القوات والكتائب انتصارات حاسمة في بلدات مثل تنورين وشكا، مما شكل هزيمة رمزية لقيادة جبران باسيل.

في بشري، المعقل التقليدي للقوات اللبنانية، حافظ الحزب على موقعه. ومع ذلك، حصلت لائحة إصلاحية مدعومة من شخصيات من حركة 17 تشرين على 40.4% من الأصوات في البلدة، مما يشير إلى طلب واضح للتغيير حتى في المناطق التي تهيمن عليها الأحزاب التقليدية.

في قضاء جزين، كانت النتائج أكثر تعقيداً. ففي بلدة جزين، فاز التيار الوطني الحر، بالتحالف مع حركة أمل، بشكل مفاجئ، مما يدل على أن التنسيق الطائفي الاستراتيجي لا يزال قادراً على تحقيق نتائج. ومع ذلك، تشير التقديرات الأولية إلى أن القوات اللبنانية في طريقها للسيطرة على غالبية القرى المحيطة ومن المتوقع أن تفوز برئاسة اتحاد بلديات جزين، رغم أن النتائج النهائية لم تُعلن بعد. تعكس هذه النتيجة المجزأة الطابع الديموغرافي والسياسي الفريد لجزين كمنطقة مختلطة بين المسيحيين والشيعة وساحة لتبدل الولاءات.



حزب الاتحاد السرياني: رؤية استراتيجية للمستقبل

ضمن المعسكر المسيحي، أظهر حزب الاتحاد السرياني براعة تكتيكية وشراكة استراتيجية في الانتخابات البلدية لعام 2025, حيث أعاد الحزب تأكيد تحالفه مع القوات اللبنانية في جميع الدوائر البلدية، مشدداً على جبهة موحدة لتعزيز تمثيل السريان في المشهد الطائفي المعقد في لبنان. أكد رئيس الحزب، إبراهيم مراد، على ضرورة “مقاومة تسييس السياسة” مع الدعوة إلى السيادة الوطنية واللامركزية كأولويات رئيسية.

في زحلة وأجزاء من جبل لبنان، حيث توجد نسبة كبيرة من المسيحيين السريان-الموارنة، ركز تحالف حزب الاتحاد السرياني -القوات اللبنانية على التنمية المحلية والعلاقات بين الكنيسة والمجتمع، محققاً مقاعد رمزية مهمة. في زحلة، التي تقع في سهل البقاع وتضم مجتمعاً سريانياً يشكل حوالي 8% من السكان، فاز التحالف بين القوات اللبنانية وحزب الاتحاد السرياني والكتلة الشعبية بأغلبية ساحقة بلغت 14 من أصل 18 مقعداً بلدياً، متغلبين على لائحة منافسة مدعومة من حزب الله وحركة أمل قبل أيام من إغلاق صناديق الاقتراع.

على الرغم من عدم نشر أرقام دقيقة لأصوات المرشحين المدعومين من حزب الاتحاد السرياني، لاحظ المحللون السياسيون أن في ضواحي زحلة ذات الأغلبية المسيحية — مثل البركة والقلعة وسعدنايل — تفوقت اللائحة المسيحية-السريانية الموحدة على منافسيها بهوامش واسعة، تتراوح بين 55 إلى 63% من نسبة الأصوات.

بعيداً عن المكاسب الانتخابية المباشرة، جدد حزب الاتحاد السرياني علناً مطلبه الطويل الأمد بالحصول على مقعد برلماني مخصص ومستقل للسريان في النظام الطائفي اللبناني، بدلاً من المقعد الوحيد المخصص لـ “الأقليات” الذي يضم الدروز والأرمن الأرثوذكس والسريان معاً. تؤكد هذه الخطوة على استراتيجية حزب الاتحاد السرياني الأوسع لتعزيز الظهور السياسي للسريان وحماية هويتهم الثقافية والدينية ضمن الإطار السياسي اللبناني.



نسبة المشاركة: مشاركة مجزأة

كشفت نسبة المشاركة على مستوى البلاد عن تباين في المشاركة، متأثرة بالتفاوتات الإقليمية، والتحديات اللوجستية، وتزايد الاستياء العام. في جبل لبنان، بلغت نسبة المشاركة 44.6%، مع تميز قضاء كسروان بتسجيل أعلى نسبة مشاركة بلغت 59.4%.

في المقابل، سجل شمال لبنان نسبة مشاركة أقل بلغت 35.9%، مما يعكس مزيجاً من اللامبالاة تجاه التصويت وانعدام الثقة في القيادة السياسية. أظهرت عكار، التي غالباً ما تُهمل في الخطاب الوطني، مستوى أعلى من المشاركة المدنية، حيث أدلى 47.3% من الناخبين المسجلين بأصواتهم، مما يشير إلى أن الولاءات المحلية والمنافسة المجتمعية لا تزال مؤثرة في المناطق الريفية والمهمشة.

في بيروت وجنوب لبنان، ظلت نسبة المشاركة منخفضة بشكل ملحوظ، خاصة في بيروت الأولى والثانية، حيث استمرت سنوات من الإهمال، والتحديات اللوجستية، وغياب جزء كبير من الجالية اللبنانية في الخارج عن العملية الانتخابية في تقويض حشد الناخبين.

ومع ذلك، في العديد من المناطق الريفية المتنازع عليها في جميع أنحاء البلاد، توافد السكان إلى صناديق الاقتراع بأعداد أكبر — ليس بالضرورة بدافع القناعة الأيديولوجية، بل مدفوعين بالولاءات العائلية العميقة الجذور ووعد بالمنافع الملموسة من خلال شبكات المحسوبية المحلية. هذا الديناميكية، وإن لم تكن جديدة، تسلط الضوء على الانفصال المستمر بين الخطاب الإصلاحي الوطني والواقع المحلي الذي يشكل السلوك السياسي اللبناني.

الانتخابات المحلية كمقدمة للتغيير الوطني

على الرغم من أن الانتخابات البلدية لا تعيد تشكيل القيادة الوطنية في لبنان، إلا أنها توفر رؤى قيمة حول الولاءات على المستوى القاعدي وتدفق التحالفات الطائفية. حافظ حزب الله وحركة أمل على هيمنتهما بين الناخبين الشيعة، لكن هناك مؤشرات على تصدعات مع تزايد تكلفة “المقاومة” وغياب التقدم الاقتصادي الذي ينهك المجتمعات. في الوقت نفسه، تعاني الأحزاب المسيحية من أزمة هوية، حيث يكافح التيار الوطني الحر للحفاظ على أهميته وسط الانشقاقات والتعب العام.

‫شاهد أيضًا‬

بمناخ إيجابي، انعقاد الجولة الأولى من المفاوضات بين الإدارة الذاتية الديمقراطية والحكومة السورية في دارمسوق 

دارمسوق – عقدت يوم الأحد في العاصمة دارمسوق (دمشق) أول جولة مفاوضات رسمية بين وفد الإدارة …